لا يختلف اثنان على ان ما حدث في مدينة اورلاندو الامريكية ليلة 12 حزيران 2016 كان عملا ارهابيا بامتياز قام به احد معتوهي داعش عندما فتح النار على مجموعة من رواد ملهى ليلي فقتل عدداً منهم وتسبب في الرعب في واحدة من مجازر التنظيم الارهابي.
الحدث مضى عليه قرابة التسعين يوما ..لذلك لانخوض بتفاصيله الان ، بل نذهب الى تداعياته وتحليل ردود الفعل حينها من قبل وسائل الاعلام العربية .
فقد اعتادت العواصم العربية ان تدين اي عمل ارهابي يحدث في اوربا او امريكا .. وغالبا ما تكون هذه الادانة شاملة , اي ليست محدودة بعاصمة او مجموعة عواصم دون اخرى .. سوى هذه المرة حيث ان الحادث يختلف فالمستهدفون مجموعة من "المثليين" ، وداعش الذي لا يعرف الاخلاق ، حاول ان يلقن امريكا ، وربما الغرب ، درساً في الاخلاق .. فاذا كان الحكام العرب تحرجوا من ان يقدموا برقيات استنكار لذلك العمل الاجرامي حينها بسبب طبيعة المستهدفين ، فان ذلك نابع من البنية الاخلاقية للمجتمع العربي الاسلامي ورفضه بشكل قاطع السماح لمثل هؤلاء بممارسة حرياتهم الشخصية كونها تتنافى مع قيم ومبادئ الدين الحنيف .. لذلك نجد ان بعضا من الدول العربية اصدرت بيانات الادانة على استحياء ، ومنها من تحفظ على ذلك ، مع استنكاره اصلا للعمل الجبان ، الا انه لم يصدر بياناً كما اشرنا الى السبب في ذلك.
هذا الموضوع جذب وقتها انتباه اثنين من العاملين في منتدى "فكرة" هما ديفيد بولوك وهو زميل كوفمان في معهد واشنطن ومدير منتدى "فكرة" ومحمد عبد العزيز وهو محرر اللغة العربية بالمنتدى ، حيث تابعا التغطية الاعلامية المقيدة للصحافة العربية أنذاك لحادث الملهى الليلي ، فوجدا ان عددا قليلا من الدول العربية اصدرت بيانات رسمية لادانة الحادث ، حيث وجدا ان تغطية وسائل الاعلام العربية للحدث والتعليق عليه محدودين نسبياً ، وخاصة بالمقارنة بتعامل الاعلام العربي مع هجمات ارهابية سابقة طالت اوربا على مدى (18) شهراً الماضية ... ففي اعقاب الحادث احتل (خبر) اطلاق النار مكانة مهمة في الصحافة العالمية ولاكنه لم يأخذ حقه سوى في عدد من السطور بتغطية الصحف العربية . حيث تجنب العديد من الصحف وصف المكان بشكل مفصل ، بما في ذلك طبيعته المعروفة بانه نادٍ للمثيلين الجنسيين بل كانت التغطية عامة .. وغالبا ما ألقت - التغطية الاعلامية حسب وجهة نظر المتابعين - الضوء ، على اصول القاتل الافغانية ، بينما شددت صحيفتان سعوديتان يوميتان ، هما الوطن والحياة ، ومقر الاخيرة لندن ، على صلة القاتل بحزب الله / في مغالطة واضحة وتوجه متعمد منها للمساس بالحزب.. ولاسباب طائفية طبعا .. وخروج عن المهنية والمصداقية. الا ان كذبتهما لم تمض طويلا حيث ان التنظيم الارهابي اعلن مسؤوليته عن الحادث كما ان القاتل اعلن ولاءه للتنظيم . المهم ان (9) دول عربية ادانت الحادث فضلا عن الجامعة العربية وهي كل من مصر ، المملكة العربية السعودية ، الاردن ، الامارات العربية المتحدة ، لبنان ، السلطة الفلسطينية ، قطر ، البحرين، وتحفظت (12) دول عن اصدار بيان ادانة ، هي كل من العراق ، سورية، الجزائر ، المغرب ، تونس ، ليبيا ، موريتنا ، اليمن ، عُمان ، السودان ، الصومال .
الحقيقة ان التقرير الذي اعده ديفيد ومحمد عبد العزيز يشير الى دقة الرصد والاهتمام من قبل المؤسسات والمنتديات الاعلامية الامريكية بما تنشره الصحافة العربية خاصة عندما يتعلق الامر بحادث وقع في احدى الولايات الامريكية . اضافة الى اهمية الاعلام العربي وتوجهاته بالنسبة للمؤسسات الامريكية المماثلة .
الموضوع برمته لا يتعلق بما نشر او لم ينشر ، بل هو منصب على وجود تعاطف مع القاتل لانه وجه رصاصة الى مجتمع مرفوض اسلامياً .. مع ان الاسلام لا يحكم بالموت على من يأتي بفعلة اصحاب النادي . والحقيقة هي ليس تعاطفا وحسب ، بقدر ما كانت حذرا وتحفظا من الخوض في مثل هذا الموضوع الحساس والحالة تشبه الى حد كبير جريمة تفجير برجي التجارة عام 2001، فتحفظ البعض عن الادانه مع ان العمل كان ارهابيا بكل المقاييس .
كم جميل لو ان لدينا مؤسسات اعلامية تستطيع ان تتابع الحدث العربي في مواقعه والتغطية الاعلامية في الصحافة الامريكية والاوربية ، ومدى تعاطف تلك الجهات الاعلامية او تحفظها اتجاه ما يحدث في البلاد العربية ، بما في ذلك القتل اليومي والعمليات الارهابية التي تطال المدن في العراق وسورية ، وبقية البلاد العربية وتؤدي الى سقوط عشرات الضحايا الابرياء .. ان في ذلك لفائدة كبرى خاصة عندما تقدم مثل هكذا تقارير لمتخذي القرارات وراسمي السياسات ، والسياسات الخارجية منها بالذات.
مقالات اخرى للكاتب