أي تدخل خارجي في شؤون الدول الأخرى مرفوض أيا كان شكله، فأمر طبيعي أن يعتز الأنسان سياسياً كان أم مواطناً عادياً بسيادة بلده، إلا عند ساسة العراق الجدد فمفهوم السيادة لديهم انتقائي وازدواجي بل وحتى طائفي، حيث يتحدث كثير منهم عن السيادة الوطنية، في مناسبات عدة، وازداد هذا الحديث مؤخراً مع التحضيرات لمعركة استعادة الموصل، بعد تصريحات الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، التي أكد فيها أن قوات بلاده ستشارك في المعركة .
ومنذ أيام يواصل سياسيون ومسؤولون عراقيون وحتى أقلام موجهة، مهاجمة أردوغان، دعوا خلالها إلى مواجهة قواته على الأراضي العراقية، واعتبروا أن تمديد البرلمان التركي لوجود القوات التركية على الأراضي العراقية بمثابة احتلال يعيد أحلام الإمبراطورية العثمانية .
وحسب مزاعم هؤلاء لا يجوز التهاون في موضوع السيادة الوطنية ولا يمكن السماح للقوات التركية بانتهاك سيادة العراق كونها خط أحمر، لا يمكن تجاوزه حتى وان كانت تريد مساعدة العراق في حربه ضد تنظيم داعش .
في خضم هذا الهيجان الهستيري، يتضح أن السياسة الخارجية لحكومة بغداد تنتهج سياسة العداء تجاه تركيا ومعظم دول الجوار العربي . وإلا أين السيادة العراقية التي يتكلم عنها المسؤولون ورجال السياسة والدين عندما اعتدت القوات الإيرانية والكويتية البحريتين على صيادين عراقيين داخل مياه العراق الإقليمية ولم تتخذ حكومة بغداد أي اجراء رغم استغاثة ذوي الصيادين ؟ .. وأين السيادة العراقية حينما قصفت القوات الإيرانية قرى حدودية في محافظة السليمانية راح ضحيتها عدد من المدنيين بحجة استهداف حركة "البازاك" الكردية المعارضة ؟.
كما لم يُسمع صوتُ أحد من الذين يتحدثون عن السيادة الوطنية حينما اقتحم عشرات الآلاف من الإيرانيين مخفري الشلامجة والشيب الحدوديين، ودخلوا العراق عنوة وأمام أنظار الأجهزة الأمنية التي بقيت مكتوفة الأيدي، في ذكرى احياء "عاشوراء" عام الفين واربعة عشر، والصمت لازمهم أيضا عندما تكرر الأمر العام الماضي في منفذ زرباطية الحدودي، بل أكثر من ذلك فبدل أن تقوم وزارة الخارجية في بغداد إتباع الأعراف الدبلوماسية باستدعاء السفير الإيراني وتقديم احتجاج "الحكومة العراقية"، اكتفت باجراء اتصال هاتفي معه، وعبرت عن "انزعاجها" عن ذلك بطريقة مهينة ليس لها سابقة .
وماذا عن السيادة العراقية حينما وجهت روسيا صواريخها لتقتل الشعب السوري عبر الأجواء العراقية ؟.. ثم أين السيادة العراقية حينما يتواجد مسلحو حزب العمال الكردي التركي مع عوائلهم في شمال العراق ؟ .
كما أن السيادة الوطنية غابت عن السياسيين العراقيين حينما أعتبر علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في مارس العام الماضي، أن بلاده أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها بغداد حاليا .
هذا الغياب للسيادة الوطنية طال أيضا رجال الدين، حينما أفتى الشيخ قاسم الطائي بوجوب قتال القوات التركية الغازية في العراق"، مبينا أن "مقاومة الوجود التركي في العراق عسكريا، هو واجب شرعي وأخلاقي واجتماعي"، بينما لم نسمع فتوى مماثلة حينما غزت أمريكا وحلفاؤها العراق عام الفين وثلاثة .
من خلال ما تقدم يتضح أن السيادة الوطنية يلمع بريقها عند سياسيي العراق، فقط حينما يتعلق الأمر بمواقف بعض دول الجوار العربي كما حصل للسفير السعودي ثامر السبهان قبل أسابيع، وكذلك حينما يتعلق الأمر بتركيا، ونحن لسنا بصدد الدفاع عنها ولا عن الرئيس أردوغان ولكن كي نضع المواقف في سياقها الصحيح بعيدا عن التضليل، فأن تواجد القوات التركية في قاعدة بعشيقة بمحافظة نينوى لتدريب متطوعين من الحشد الوطني لإستعادة الموصل حصل بموافقة حكومة بغداد وطلبها الرسمي بذلك.
من المفاهيم الأساسية أن السيادة الوطنية واحدة لا تتجزأ فعلى أي حكومة وطنية أن لا تتعامل بإنتقائية حيال سيادة بلدها، ومن أبرز مسؤوليتها اتخاذ كل السبل للحفاظ عليها، وحماية حدود بلدها وصون كرامة شعبه، والحفاظ على هيبة الدولة وأن تكون هذه المواقف تجاه كل من يحاول مس السيادة الوطنية بالفعل لا بالقول وأن يشمل جميع الدول دون استثناءات .
مقالات اخرى للكاتب