وعاد محرم الحرام، وعادت معه ذكريات واقعة الطف المفجعة التي رسخها الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيه وأصحابه في أذهان الأمم بدمائهم الطاهرة التي أريقت على ارض كربلاء لكي تحمل هذه الأرض بفضل تلك الدماء قدسية لا تضاهيها قدسية.
كل شيء يعود من جديد!! الأصوات.. النداءات.. صراخ الأيتام من آل بيت النبوة.. ونحيبٌ مسجونٌ لنسوةٍ عفيفاتٍ مخدراتٍ حكم عليهنّ اللؤم والظلم أن يسبيّن ليزول عن قلوبهنّ الأمان الذي اعتادت كل واحدة منهن أن تجده في كنف زوجها.
ألا من ناصرٍ ينصرنا!! نداءات ابي عبد الله الحسين عليه السلام تتجدد هي الأخرى، معلنةً أن مسؤولية نصرته لا تزال في رقاب جميع بني البشر. وان واقعة الطف سارية المفعول في كل زمان ومكان. لكن السؤال الذي يطرق أسماعنا هو كيف لنا أن نلبي هذا النداء الخالد حتى هذا العصر؟
الليلة الأخيرة.. ساعات عظيمة عاشها الإمام الحسين عليه السلام، قضاها في مخيمه، وهو يعيش لحظات من الترقب بمشاركة جمع من صحبه المخلّصين، حيث ينقل أن الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه باتوا ليلة العاشر من المحرم ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد. ومع ان الإمام وأصحابه وأهل بيته كانوا في موقف ظاهره الحرج، يتطلب منهم الاستعداد المادي لليوم التالي؛ إلا أنهم قضوه في تلاوة القرآن الكريم والصلاة والدعاء، فهم يرون في هذا الموقف أنهم أمام فرصتهم الأخيرة لنيل المزيد من رضا الرب تبارك وتعالى، من خلال قراءة القرآن الكريم والدعاء والصلاة.
هذا الموقف وأمثاله الكثير، يستدعي أن نقف متأملين متفكرين فيه، فانه يضعنا أمام مسؤولية كبيرة، وهي أننا مطالبون كأتباع لمدرسة الحسين، عليه السلام، أن نقتديّ به في كل أقواله وأفعاله ومواقفه، فإذا كان شخصٌ مثل الحسين عليه السلام، على درجة عالية من الإيمان والرفعة، عصمه الله عن الخطأ والزلل؛ يقضي ليلته الأخيرة بالتقرب الى الله من خلال تلاوة كتابه الحكيم. أذن؛ كيف بنا نحن؟
إن فرصة شهر محرم وأيام عاشوراء قد لا تتكرر لنا مرة أخرى، فمن منا يضمن لنفسه البقاء حتى العام اللاحق؟!! وعليه ينبغي ان نستغل هذه الفرصة استغلالاً واعياً، من خلال ممارسات ذات أهمية بالغة أهمها مشروع تلاوة القرآن الكريم في عاشوراء.
وما يميز هذا الشهر عن باقي الشهور ان الجميع يتوجه بهمة عالية إلى خدمة الزائرين لقبر الإمام الحسين، عليه السلام، من خلال المواكب الحسينية والهيئات، وهذا الأمر في غاية الأهمية. ولكن ما المانع، وضمن هذا النشاط الحسيني الدائم وهذه الهمة العالية؛ أن تكون هناك حلقات قرآنية يومية في المواكب والهيئات لتلاوة القرآن الكريم، أو التدبر في آياته، أو تفسيره، وتخصيص وقت محدد يتوجه فيه الموكب الحسيني نحو خدمة الزائرين روحياُ وتنميتهم ثقافياً بثقافة الوحي التي لا شائبة فيها، والمتمثلة بالقرآن الكريم.
أن تلبيّ نداء الحسين، عليه السلام، يوم العاشر من محرم يعني ذلك انك تتوجه قبل ذلك للقيم التي استشهد من اجلها الإمام، والتي من أهمها إن لا نهجر القرآن الكريم والمواظبة على تلاوته باستمرار، وهذا ما نستفيده من مواقف الإمام الحسين عليه السلام في لحظاته الأخيرة.