نحن نواجه حكومات ترعى الإرهاب، وليس عصابات يمولها الأفراد، فالإرهاب تمثله الآن دول مستهترة، وتمثله مؤسسات دينية لا دين لها، ولم تعد تنطلي علينا الأكاذيب السياسية، التي ظلت تطلقها القوى الدولية والمحلية الراعية للإرهاب، فقد تبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وظهر أنصار الإرهاب الدولي على حقيقتهم من دون رتوش، ومن دون تضليل. ومن دون أن يضطروا لإخفاء نواياهم بأقنعة التمويه والخداع. قبل بضعة أيام كانت تركيا تتظاهر بمطاردة عصابات داعش، رغم علمنا المسبق بأنها هي التي فتحت لهم منافذها الحدودية، وسمحت لهم بالتدفق بهذه الأعداد الهائلة، ورغم علمنا بأن المقاتلات الأمريكية هي التي تقدم لهم دعمها اللوجستي، في الوقت الذي كانت فيه المقاتلات الروسية تصب حممها فوق رؤوسهم، وتسجل انتصاراً مذهلاً على الأرض، ثم جاءت أحداث باريس لتقدم الدليل القاطع على شرعية الغارات الروسية المدمرة لخطوط الصهاريج النفطية، التي يمتلكها الدواعش، بيد أن تركيا كانت في أقصى حالات الانزعاج والتذمر، بسبب ضياع أحلامها الأناضولية التوسعية تحت أقدام الدب الروسي، فارتكبت حماقة ما بعدها حماقة، عندما أقدمت على إسقاط مقاتلة روسية من طراز (سوي 24)، بذريعة انتهاكها الأجواء التركية، رغم قناعتها المطلقة بأن الروس لا يستهدفونها، ورغم قيامها هي نفسها بانتهاك سيادة سوريا والعراق بذريعة مطارتها لفلول حزب العمال الكردي، ورغم سرقتها حصص العراق من مياه دجلة والفرات، لكنها كانت ترى أن الروس، إذا ما استأنفوا غاراتهم العنيفة الموجهة ضد الدواعش بهذا الإصرار، وبهذا الشكل المؤثر، فأنهم سيلحقون بهم الهزائم المنكرة، فكان لابد للزعيم (رجب طيب بهلوان) من البحث عن الأعذار والمبررات لتعطيل غارات الدب الروسي، حتى لو تطلب الأمر إشراك فرنسا في جر حلف الناتو لحرب طويلة الأمد من أجل منع الغارات الروسية الموجهة ضد الدواعش.
تخيلوا. فرنسا التي كانت قبل أقل من أسبوع تذرف الدموع على ضحاياها في التفجيرات الداعشية الدامية، تجاهلتهم تماما، وهرعت للوقوف مع تركيا الداعشية، في الوقت الذي كانت تتظاهر فيه بقصف الدواعش.
السياسة، يا جماعة الخير، خداع ومراوغة ومخاتلة، أما التحالفات العسكرية فهي عبارة عن أدوات للتوسع والتمدد وبسط نفوذ الأقوى على الأضعف، فالسمكة الكبيرة لابد أن تأكل السمكة الصغيرة، والثعالب المراوغة مجبولة على استفزاز الدببة المريضة، والتآمر خصلة توارثها ملوك الأناضول في مخادع حريم السلطان، حتى صارت هي الصفة الطاغية على سلوك دولة لا تحفظ حقوق الجوار. دولة ظلت حتى يومنا هذا تخصص ليرة واحدة في ميزانيتها السنوية لتعمير مدينة (الموصل) العراقية لأنها تندرج في فكرها العثماني ضمن ضواحي ولاياتها المغتصبة، فعادت إليها الموصل ملفوفة برايات سود، يحملها الدواعش الذين تناسلوا تحت عمامة السلطان (بهلوان).
مقالات اخرى للكاتب