بعد إن وصل عدد القتلى في المواجهات الدائرة بين الحكومة السورية والمعارضة المسلحة إلى 600 إلف سوري حسب إحصائيات المنظمات الدولية عدا المعوقين والجرحى والمفقودين وأكثر من نصف مليون لاجئ في دول الجوار وتخريب شامل للبنية التحتية ظهر الرئيس السوري بشار الأسد في مبنى الأوبرا أمام حشد من أركان حكومته ومؤيديه عبر القنوات الفضائية ليدلي بخطاب يحمل مبادرة لحل الصراع المسلح في بلاده . يؤكد البعض بان اختيار الأوبرا للإلقاء الخطاب كان لدواعي أمنية وهي إشارة صريحة إلى الوضع الأمني الخطير الذي أطال العاصمة دمشق وريفها بعد ان كانت المعارك تدور في المحافظات الشمالية وبعض المناطق جنوب العاصمة.
الأسد لأول مرة يصرح بسوء الأوضاع وخطورتها ومستوى التدمير الذي حصل بعد إن كان الإعلام ا السوري يصور الإحداث الجارية على أنها جيوب إرهابية يتم معالجتها عسكريا وشعبيا وان المعركة ستحسم لصالح الحكومة . خطاب الأسد بشكل عام لم يأت بجديد كما كان متوقعا من الشعب السوري ، وبالرغم من إن بعض المحللين كان تعليقاتهم تشير على إن الأسد لازال على غروره وان ظهوره بهذا الشكل ونبرته تنم على قوة، وانه لم يكسر بعد كما ضن المعارضون ودول الإقليم إلا إن التركيز في الخطاب وفي توقيته ومكانه يعطي إشارات بان الأسد في أسوء حالاته وانه يبحث عن مخرج للازمة توافق رؤية النظام التي تحاول أن تستميل معارضي الداخل الذين يطالبون بإصلاح النظام وليس إسقاطه، وهو ما أكد عليه في كلمته حيث اعتبر معارضي الخارج مستوردون هدفهم تحطيم منجزات الشعب السوري وتنفيذ أجندات خارجية ولا يمكن تسميتهم ثوار لافتقادهم إلى المفكرين والى المنهج الذي تستدل به الثورات عند قيامها ، وحاول أن يجرد المعارضة المسلحة على الأرض والتي باتت قريبة من تحقيق أهدافها من مضمونها الثوري واصفا إياها بهجمة إرهابية يستوجب مواجهتها بالقوة للحفاظ على امن وخبز الشعب. حاول الأسد إعطاء مفهوم للصراع الدائر في بلاده من انه صراع على ليس السلطة وهذا يحمل بين طياته تبرير لاستخدام القوة المسلحة بكامل صنوفها في القتال . أما المبادرة التي طرحها الأسد لم تكن إلا رسالة إلى كل ألاعبين في الشأن السوري سواء كانوا من الداعمين أو الناقمين مفادها إن النظام سوف يستمر بالحل العسكري لمعالجة الأزمة ولم يخضع لأية تسويات قد تلجا إليها روسيا وأمريكا ومجلس الأمن بموافقة الجامعة العربية. مبادرة الأسد هي شروط لوقف العمليات العسكرية مقابل إنهاء التمرد والقيام بإصلاحات داخلية لا تمس جوهرة النظام ومؤسسة الرئاسة، وهو يعرف قبل غيره أنها سترفض من كل الإطراف المعارضة لأنها لم تعد صالحة بعد أن استفحلت الأزمة وجاءت متأخرة جدا . هو متيقن بان المطلوب هو رأسه وان المعرضة لم تستجيب إلى الحوار مع النظام بمبادرات إيرانية وروسية وحتى عربية فكيف توافق على مبادرة سورية . سبق وان راهن الأسد على عامل الزمن وساعده في ذلك بقصد أو غير قصد مجلس الأمن والجامعة العربية والوسطاء، وكان يريد من ذلك أن يحسم المعركة لصالحه وهذا أصبح مستحيلا ، أو تشتعل المنطقة بفعل الأزمة فيتناقص الضغط على النظام خاصة في لبنان والعراق والأردن، وتبين لاحقا بان هذه الدول أصبحت لديها القناعة بان رحيل الأسد أصبح قريب ، وان أمنها الوطني سيتعرض إلى انتكاسات في حالة بقاء النظام السوري في بلد ممزق منفلت امنيا وحرب أهلية قد تصل تدعيانها اليهم. أما الدول الداعمة باستثناء إيران لم تبق الأبواب مشرعة للنظام إلى ما لانهاية وظهرت تغيرات ولو طفيفة في الموقفين الروسي والصيني. الأسد من خلال خطابه سيمضي إلى نهاية المشوار مهما تكن النتائج.
العراق 7/1/2013
مقالات اخرى للكاتب