المسؤولون العراقيون يواجهون مهمة ضخمة عند اعادة بناء الرمادي التي دمرها تنظيم داعش بسياسة الارض المحروقة، والكلفة قد تصل الى 10 مليارات دولار
بقلم مات برادلي "جريدة وول ستريت جورنال"
حينما عقد رئيس الوزراء العراقي اجتماعا يوم الاثنين الماضي لمناقشة المهمة الضخمة المتعلقة بأعادة بناء مدينة الرمادي التي تحررت للتو، بدا واضحا ان المسؤولين سيواجهون مهمة عسيرة وشاقة تتكرر بنمطية مستمرة مفادها: ان في كل مرة يتم فيها طرد تنظيم داعش وتحرير المناطق من قبضته، سيكون المشهد صعبا حيث تعمد الجماعة الى تكتيكات الارض المحروقة التي لا تذر شيئا سليما خلفها، الامر الذي سيكون له آثاره العميقة والشديدة لسنوات قادمة.
من جانهم، يقدر مسؤولو الحكومة العراقية ان 80% من مدينة الرمادي مركز محافظة الانبار تعرض للدمار. ويحصي هؤلاء المسؤولون كلفة اعادة اعمار المدينة برقم يصل الى 10 مليارات دولار.
اما السياسيون ومسؤولو الاعمار العراقيون، فأنهم ينظرون الى الموضوع بمنطق ان تصبح الرمادي علامة فارقة ولافتة على قدرة الحكومة العراقية في اعادة البناء والاعمار. انهم يأملون ان يكون اعادة اعمار المدينة وبناءها بمثابة صك براءة لحكومة العراق التي يهيمن عليها الشيعة في عيون سكان المدينة وغالبيتهم الساحقة من ابناء الطائفة السنية التي لطالما اتهمت الحكومة المركزية بتطبيق سياسات التهميش والقمع الطائفي ضد ابناءها. يوم الاثنين الماضي، قال مسؤولون عراقيون انهم حرروا المجمع الحكومي الواقع في مركز مدينة الرمادي، وهو جزء بالغ الاهمية من المدينة، حيث سبق لتنظيم داعش ان احكم سيطرته عليه منذ شهر آيار الماضي. كما ان المتحدث الرسمي باسم مجلس محافظة الانبار، السيد عيد عماش تحدث عن هذا الموضوع قائلا "نحن نعلم جميعا ان الاستقرار في الانبار يعني استقرار العراق". واضاف كذلك "ان الانبار وجه العراق".
لكن الكلفة الباهظة والمتصاعدة لهذا المشروع تأتي في وقت سيء جدا بالنسبة لحكومة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي الذي تكافح حكومته بشدة جراء تقلص واردات العراق المالية وانحسارها نتيجة لانخفاض اسعار النفط في العالم، فيما تخوض بلاده حربا ضروس ومكلفة جدا ضد تنظيم داعش الى جانب تكاليف الصراع الاجمالية المتمثلة في دعم النازحين داخليا وهم بالملايين.
شهر كانون الاول الماضي، مرر البرلمان العراقي موازنة البلاد للعام 2016 بعجز مبدأي يزيد عن 20 مليار دولار. وقد بنيت تلك الموازنة على سعر نفط خام متفاءل
ومبالغ به يبلغ 45 دولار للبرميل برغم ان خام برنت الذي يعد علامة فارقة في سلة نفوط العالم انهى تعاملاته للعام الماضي على سعر 37.28 دولارا للبرميل، فضلا عن ان الموازنة بنيت على اساس مستويات انتاج اعلى من تلك التي حققتها البلاد وتستمر عليها حاليا.
من جانبهم، قالت حكومة الولايات المتحدة وبعض من حلفائها الاسبوع الماضي انهم خصصوا ما يقدر بـ50 مليون دولار لتنفقها الامم المتحدة ضمن ما يعرف بصندوق الاستقرار المخصص لاعادة اعمار البلاد، وذلك بعد تخصيص الولايات المتحدة لما يقدر بـ8.3 مليون دولار قبل شهور للغرض ذاته ذهبت الى الوكالة الاميركية للتنمية الدولية كي تشرف على انفاقها هناك.
وكان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي قد تعهد الاسبوع الماضي بالقضاء على تنظيم داعش وطرده خارج العراق في غضون العام 2016، الامر الذي سيتطلبه اموالا اكثر كي يحقق هذا الهدف فعليا.
ولا تزال مساحات كبيرة من الاراضي غربي وشمالي العراق تحت سيطرة التنظيم المتطرف، بما فيها مدينة الموصل التي تعد عاصمة دولة خلافة التنظيم في العراق بحكم الامر الواقع فضلا عن كونها ثاني اكبر مدن العراق التي احتلها منذ شهر حزيران من العام 2014. ولغاية الان، لا يزال الجنود العراقيون يطبقون على جيوب تنظيم داعش المتبقية في بعض مناطق شرقي المدينة المتناثرة هنا وهناك برغم الالغام، وبرغم اعلان العبادي ان المدينة تحررت من سيطرة التنظيم يوم الاثنين الماضي.
وكانت حكومة العراق قد تمكنت من تحرير 18 من المدن والبلدات من سيطرة تنظيم داعش لغاية الان، وذلك حسب تقرير نشره برنامج التنمية التابع للامم المتحدة نهاية العام الماضي. غير ان معظم هذه المدن التي تحررت، ومن بينها سنجار وبيجي وتكريت انما تعاني دمارا شبه شامل في بنيتها التحتية وابنيتها ومصادر خدماتها.
من جانب آخر، يكشف اعتماد تكتيكات الارض المحروقة الذي استخدمه تنظيم داعش، يكشف كيف ان اعدادا صغيرة نسبيا من المقاتلين قادرة على الدفاع ضد قوات مهاجمة اكبر بكثير بحجم الجيش العراقي وحلفائه من فصائل الحشد الشعبي العراقي.
ويعمد مقاتلو داعش الى عرقلة وابطاء تقدم مهاجميهم عبر نصب ما تعرف بمصائد المغفلين وتفخيخ المنازل وتلغيم الطرقات. ومن المعروف ان هذه الاستراتيجيات لا تتطلب الا قدرات بشرية محدودة من جانب المدافعين لمواجهة القوات المهاجمة التي تواجه بدورها ما يعرف بطواقم التدمير ومجمعات سكنية حظرية وبنية تحتية محطمة وتعاني دمارا مصاحبا هائلا.
وحسب مسؤولين عراقيين، فأن الدمار الذي لا ينجم عن المعارك المباشرة ليس سوى نتيجة حتمية للتخريب المتعمد من قبل مقاتلي داعش وحسب.
عن هذا الموضوع، تحدث محافظ الانبار السيد صهيب الراوي قائلا "يجب ان لا ننسى ان سياسة داعش مبنية على تدمير وتخريب وحرق كل شيء قبل الرحيل عن المناطق التي يخسرونها". واضاف الراوي كذلك "انهم يعمدون الى تدمير الجسور والمستشفيات وحتى مشاريع المياه لا لشيء الا لمجرد التخريب وحسب، ولا شيء غير ذلك". في هذه الاثناء، تحمل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مجمل العبء المتعلق بالهجمات والضربات من الجو، تلك السياسة التي ذللت الصعوبات والتحديات امام القوات البرية، وفي الوقت ذاته تسببت بدمار وخراب الكثير من البنية التحتية ايضا. فعلى سبيل المثال، شنت الولايات المتحدة ضربة جوية ضد ملعب كرة القدم الرئيسي في الرمادي بداية شهر ايلول الماضي، ذلك الموقع الذي كان تنظيم داعش يستخدمه لخزن اسلحته وذخيرته، الامر الذي حول الملعب الى مجرد ركام حسب ما اظهرته اشرطة التصوير الخاصة بالهجوم الجوي.
من جانبه، قال العقيد ستيف وورن الذي يشغل منصب المتحدث الرسمي باسم التحالف الدولي المناهض لتنظيم داعش، قال ان عملية اعادة البناء والاعمار تمثل جزءا من المعادلة، وذلك منذ ان بدأ التحالف بتوجيه الضربات ضمن حملته الجوية عام 2014. لكن من غير الممكن تحديد مقدار الدمار المصاحب الذي تحقق نتيجة لضربات حملة التحالف في مقابل الدمار المقصود والمتعمد الذي تسبب به تنظيم داعش بنية التخريب بالمقابل. وحسب وورن انه قال "بصرف النظر عن كل شيء، فأن هذه هي الحرب، ولابد للدمار من ان يتحقق في الحرب".
كما ان هذا النموذج ليس غريبا ويمكن رؤيته في مدن اخرى تحررت للتو مثل سنجار شمالا، فضلا عن بيجي وتكريت التين تقعان الى الشمال من بغداد، حيث تعرضت كلها الى دمار شبه شامل قبيل تحريرهما من سطوة التنظيم المتطرف.
ولسوف تكلف اعادة اعمار وبناء المدينتين اكثر مما يتخيله كل السياسيين العراقيين.
ولا شك ان هذا الكلام يعني ان العراق الذي يعد ثاني اكبر منتجي النفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط اوبك سوف يقضي معظم العام الحالي بحثا عن المساعدة من مانحين دوليين ووكالات دعم واغاثة اجنبية بغية اعادة بناء ما دمرته الحرب.
مقالات اخرى للكاتب