العراق تايمز: كتب د.سمير قديح
لقد قرأت العديد من الكتب المترجمة عن قصة ضرب المفاعل العراقي ولكن جميعها تمجد في دور الموساد الإسرائيلي في تدمير المفاعل، وحاولت جاهداً البحث عن كتب او مقالات عربية، واستطعت الخروج بخلاصة الموضوع بعد قراءتي رواية الكاتبة العراقية بهية مارديني، ومن هنا اترك للقارئ أن يحكم بنفسه بين رواية الموساد والرواية العربية..
ربما مثلت عملية تدمير مفاعل تموز "عام 1981" صدمة حقيقية للكثيرين من الذين راهنوا على ذلك المشروع, ورغم محاولات البحث عن أسباب تمكن إسرائيل من اختراق جدار السرية الذي استند إليه المسؤولون عن بناء المفاعل إلا أن الأمر يتطلب مراجعة للظروف التي رافقت بناء المفاعل وصولا إلى العملية الإسرائيلية التي أودت بآمال العلماء العراقيين الذين بذلوا في بنائه جهودا أقل ما يمكن وصفها بأنها غير عادية. من المعروف أن إسرائيل تملك ومنذ سنوات طويلة قنبلة نووية تحتفظ بها كعامل ردع يساعدها على ضمان تفوقها العسكري على الدول العربية مجتمعة, وكانت إسرائيل "وما زالت" تعتقد أن الخطر العربي يصبح حقيقة إذا تمكن العرب من امتلاك زمام التكنولوجيا, وهي التي طالما روجت إلى احتمال ظهور الخطر العربي مع تخلص العرب من عقدة القراءة حسب التعبير الإسرائيلي. وبغض النظر عن خلافاتنا مع صدام حسين وتحفظنا على تبديده للأموال على صناعات بعضها حقيقي والبعض الآخر وهمي بكل المقاييس إلا أن العراق سعى منذ مطلع 1975 لامتلاك كافة أسباب القوة عن طريق الإعداد لقنبلة نووية وذلك انطلاقا من أهمية هذا الإنجاز في تحقيق توازن عسكري حقيقي مع إسرائيل التي أعلنت رسميا ومنذ عام 1954 إنشاء أول لجنة للطاقة الذرية بعد موافقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تأسيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية باقتراح من الولايات المتحدة الأمريكية.. وطوال السنوات الماضية كانت العراق وسوريا والجزائر ومصر, الدول العربية المرشحة لتقف بمواجهة إسرائيل نوويا.. ولكن حرب حزيران "يونيو" 1967 شلت الحلم النووي المصري والأوضاع الداخلية غير المستقرة شغلت الجزائر.. وعدم امتلاك سورية لثروات تمكنها من النهوض بذلك المشروع أبقى العراق كمرشح أول للقيام بتلك المهمة وقد ساعدت الأوضاع الاقتصادية المميزة للعراق بعد تأميم شركات النفط والاستقرار السياسي النسبي إثر قيام التحالف بين عدد من الأحزاب السياسية في جبهة وطنية ساعدت هذه الأوضاع في العمل الجاد باتجاه تحقيق ذلك, فوقع في 18 نوفمبر 1975 اتفاقا مع فرنسا للتعاون النووي.. وتم توفير الإمكانيات المادية والأجهزة العلمية وتجنيد آلاف العلماء العراقيين إضافة لمجموعة كبيرة من المهندسين الذين قطعوا شوطا كبيرا عن طريق إنجاز بناء المفاعل المنشود كما استعان العراق بعلماء من خارج العراق ومن أشهرهم يحيى المشد الذي لاحقه الموساد الإسرائيلي على خلفية عمله في بناء مفاعل تموز وقتله في باريس يوم الجمعة 13 حزيران "يونيو" .1980وقد ساهمت ظروف الحرب مع إيران بالحصول على مساعدات تقنية أجنبية, إذ تعاطفت معظم الدول العربية والأجنبية مع العراق, فبادرت بعض الدول الأوروبية لفتح مراكز البحوث للعلماء العراقيين.
كفاءة علمية وتخلف إداري
ورغم جدية العمل والإصرار على تحقيق الهدف, إلا أن سوء الإدارة لعب دورا في خلق ثغرات أضعفت جدار المشروع وجعلته عرضة لهزات محتملة, فقد اهتمت الإدارة السياسية للمشروع بتنمية الجوانب العلمية للمهندسين العراقيين العاملين في المشروع دون الالتفات إلى الجوانب الإنسانية لحياة هؤلاء الذين كانوا يقضون أياما بلياليها في مختبرات المفاعل على حساب حياتهم وحياة عوائلهم, بل وصل أمر الثغرات في الإدارة السياسية للمشروع حد تطبيق قرار مجلس قيادة الثورة بمضاعفة رواتب العاملين العرب في العراق لدفع مخصصات إضافية للعاملين في المشروع, بحيث وجد المهندس العراقي نفسه يتقاضى ما يعادل الـ50% من مرتب زميله العربي أو الأجنبي. وفي تلك الفترة نشطت أذرع الموساد في سبيل معرفة ما يخطط له المسؤولون وما يحاول العلماء تحقيقه, فتتبع الموساد خطوات المسؤولين عن البرنامج النووي العراقي. وهو ما ساعد على فتح الطريق أمام الطائرات الإسرائيلية لتقوم بتدمير المفاعل ووضع حد للطموح النووي العراقي. وبغض النظر عن دقة ما يرويه الموساد, فإننا نتمنى أن تكون الواقعة التي نقدمها لقرائنا درسا للحكومات التي تفرط بأبنائها وتساهم في إضعافهم وجعلهم عرضة لابتزاز الآخرين. وحسب الرواية الإسرائيلية فإن الموساد قام بتجنيد عالم عراقي كان بحاجة لمعالجة ابنه المصاب بالسرطان خارج العراق في فترة كانت السلطات تمنع السفر خلالها, ويدعي الموساد أن حاجة العالم لمعالجة ابنه مثلت نقطة ضعف استغلها الموساد, وإن كان كشف الموساد لمعلومات محددة حول شخصية العالم تثير الشكوك بصحة الرواية المتعلقة بذلك العالم, إذ من غير المعقول أن يقدم جهاز مخابرات معلومات تفصيلية عن أحد عملائه على طبق من ذهب إلى الدولة التي ينتمي إليها ذلك العميل, خاصة وأن رواية الموساد تحدد زمان اللقاء ومكانه بالإضافة إلى دلالة خاصة وهي إصابة ابنه بمرض السرطان بما يعني وفقا للمطلعين على خطط المخابرات أن التوصيف الإسرائيلي يكون قائما على محاولة الإيقاع بشخصية علمية عراقية رفضت التعاون معه والتغطية والتمويه على شخصية علمية عراقية تعاونت مع جهاز الموساد ولكنها بعيدة عن توصيفاته سواء في زمان ومكان اللقاء بها أو ظروفها الحياتية الخاصة.
الرواية على ذمة الموساد
وفي كل الأحوال نقدم الرواية لأنها تحمل درسا يمكن الاستفادة منه لدعم وحماية الناس الذين يعملون لصالح الوطن. إن وراء العمليات التي يقوم بها الموساد الإسرائيلي دولة تضع كل قدراتها وإمكانياتها وتقنياتها في دراسة نقاط ضعف الآخرين. ومن هذا الباب يحاول الموساد, في الآونة الأخيرة كما قلنا الولوج ونشر تفاصيل عملياته لأنه رغم نجاحه في العديد من العمليات التي قام بها إلا أن هناك العديد من الإخفاقات التي مني بها مثل محاولة اغتيال خالد مشعل في الأردن ومحاولة زرع أجهزة تنصت في بيت نشطاء حزب الله في سويسرا ومحاولة أخرى ضد حزب الله في قبرص ومحاولة اغتيال مروان البرغوثي في فلسطين, وهو يريد أن يقنع الجمهور الإسرائيلي أولا والعالم ثانيا بأنه مقابل هذه الإخفاقات حقق العديد من النجاحات الباهرة وذلك بغية تشجيع الشباب الإسرائيلي بالانخراط في صفوفه والانضمام إليه.فسمح ضمن هذا الإطار لضابطة في الموساد أن تتكلم عن إحدى العمليات التي تعتبر السبب الرئيس وراء كشف طبيعة عمل المفاعل الذري العراقي والذي يطلق عليه "مفاعل تموز" والواقع في منطقة التويثة القريبة من بغداد وشرحت الضابطة من خلال كلامها العديد من النقاط المبهمة حول كيفية صدور قرار قصفه وتدميره بالطائرات الإسرائيلية يوم السابع من حزيران عام 1981 أثناء الحرب العراقية الإيرانية.