تناقلت وسائل الاعلام قبل أيام قلائل خطبة الوداع الأخيرة للارهابي (ابراهيم عواد البدري) أو ما يسمى (أبو بكر البغدادي) قائد جميع التنظيمات الارهابية وليس داعش وحدها والموجهة لمقاتليه وخطباء الجوامع والموالين له من الصامتين،
كونه صنيعة (امريكوصهيونية) بشكل علني وواضح من خلال جميع المعطيات على الارض المعلنة وغير المعلنة ومنها احتضان جرحى داعش في مستشفيات صهيونية وتركية بمعاضدة أميركية، وانزال المساعدات الغذائية والأسلحة من الجو بواسطة الطائرات المروحية ونقل قياداتها عندما تحاصر، فضلا عن الدعوات الى هدنة والتحرك لايقاف شدة المعارك وضراوتها حينما يكون الخاسر قوى الارهاب، أو استخدام شتى الحجج التي تدين الجيوش النظامية في سوريا والعراق من اجل تشويه النوايا والتشويش على الهدف الرئيس من خلال الاعلام الموالي للنظام العالمي الداعم للمنظمات الارهابية، وتعد اعترافات قادة الارهاب المنشقين من أهم الوثائق التي تدين ذلك السلوك والتي تؤكد خلافات البغدادي مع الظواهري بوحي من المنظمة الدولية الراعية للارهاب وتنفيذ وصاياها بالشكل الدقيق الذي يليق بسيناريو الصراع وتمريره على بسطاء الناس وتكثيف الجهاز الاعلامي المنفذ لتلك المخططات وانتشار رقعة
تلقيه.
خطبة البغدادي التي القاها في الموصل كانت تحمل بين طياتها انكسار التنظيم واندحاره بسبب خسارته أغلب ما يسمى (قادة التنظيم) وهروب القسم القليل الآخر صوب معاقله الأخيرة في الرقة، ودعوته الصريحة الى انتقال الجزء المتبقي من مقاتليه الذي يقل عن (ألفي) مقاتل الى الحدود السورية العراقية والاحتماء بالجبال وما تحققه الظروف الجغرافية والتضاريس الصعبة من عنصر آمن لهم لامكانية العودة ان سمحت الظروف مرة أخرى
بذلك.
ومع كل هذا فهو يدعو الانغماسيين من المقاتلين الأجانب الى تفجير أنفسهم على الجنود والمدنيين في الجانب الأيمن من مدينة الموصل لالحاق الأذى بعدد أكبر منهم دون التمييز بينهم، بوصفهم أعداء سواء رحبوا بالتنظيم او حاربوه وباركوا خطوات تحرير المدينة.
إن ما فعله التنظيم الارهابي وما يفعله الآن أو في المستقبل لا يندرج ضمن اعراف وقواعد الحروب او الاخلاقيات في مثل هذه الظروف وهي تجنيب المدنيين الأذى إزاء فعل الحرب واستمرار ممكنات
حياتهم المعاشية، وهنا نتساءل: أين تكمن ذرائع الثورة والاحتجاج لمن ارتضوا الانضواء تحت خيمة الارهاب؟، وهل يمكن للثوري أن يقتل شعبه مهما كانت طبيعة هذا الشعب سواء كان جنديا أو مواطنا يحاول العيش بسلام؟.
ان ما تذكره المرويات عن حركات التحرر وقادتها، وما عشناه على الواقع الحي يدين كل الممارسات التي احتوتها خطبة (البغدادي) فقد كان (جيفارا) ايقونة الفعل الثوري وملهم حركات التحرر العالمي في القرن العشرين يأمر أصحابه بمنح المصل المتبقي لديهم الى أحد ضباط الجيش البوليفي الجريح الذي هاجم قواته
ذات مرة، معللا ذلك اثناء اعتراض مساعديه على قراره (بأننا نقاتل من أجل حرية الانسانية وكرامته مهما كان توصيفه، فكيف نضحي بأحد هؤلاء) ويعني بذلك سواء كان مواطنا أعزل أو مقاتلا ومسلحا ويصنف بأنه عدو في الحسابات العسكرية على الأقل، وفي حديث متأخر للشاعر العراقي والمناضل (أمير الدراجي) قائد احدى المجاميع الفلسطينية في جنوب لبنان أثناء الاجتياح الاسرائيلي للبنان فانه يسجل ندمه الكبير حد البكاء على خطأ الماضي المشرعن في حسابات المعركة، حين يتحدث عن مساهمته في ازهاق الأرواح سواء كانوا من العدو الصهيوني أو من الخونة في معسكره التحرري، هؤلاء الذين خانوا القضية وأصبحوا عبئا على الحركة، وعلى الرغم من شفافية الدراجي وايمانه الكبير بالمبادئ الثورية التي قادته الى أهم حركات التحرر في وقتها، إلا أن أخلاقه الثورية جعلته يحاكم نفسه آلاف المرات نتيجة مساهمته في خسارة هذه الأرواح التي تشترك معه في الانسانية.
ان الأمثلة كثيرة ومتعددة الأزمنة والجغرافيا بشأن شرف الثوري مقابل خسة الارهابي وسفالته الذي يشرعن القتل والموت بدون أدنى شعور بالندم أو الرأفة، وهنا نتساءل: كيف يمكن أن نطمئن لسلوكه حين يمسك أدوات السلطة المطلقة والشرعية وهو الذي يفعل كل الكبائر في لحظته التي يسميها (ثورية)؟.
على الرغم من العنف المفرط الذي تمارسه المنظمات الارهابية، إلا أن الخطاب الأخير للبغدادي يشي بنهاية التنظيم عمليا في ضوء الاعترافات المساقة بعدم المواجهة وانكشاف خدعة الجهاد والتزييف التي كان يمارسها طوال السنوات السابقة، فضلا عن اعتراف شركائه بالهزيمة في رسائلهم التي كشفت مؤخرا.
وسيشهد ربيع هذا العام اسدال الستار على أكبر حقبة اجرامية قادها الارهاب الداعشي في
المنطقة.
مقالات اخرى للكاتب