كل الطرق تؤدي الى طهران في المنطقة .
مع انني لست من المتفائلين بمشاركة كوردية في الحكومة العراقية المقبلة لأسباب ذكرتها في مقالات سابقة دعوت فيها لقطيعة كوردستانية مع الحكومة القادمة .. لكن يبدو ان صناع القرار السياسي في كردستان ماضون للدخول في معمعة المفاوضات مع القوائم العراقية والمشاركة في حكومة توافقية كما في الانتخابات السابقة .
لا يمكن ان ندعي بان الدور الامريكي قد انتفى من العراق تماما إلا انه بالتأكيد قد حجم بشكل كبير لصالح الدور الايراني الذي اصبح يتحكم في صغائر الامور وعظائمها داخل العراق , يظهر ذلك جليا في تقاطر الساسة المتنافسين على منصب رئاسة الوزراء العراقي في اليومين السابقين على ايران في ظاهرة يمكن تسميتها (موسم العمرة) الى طهران لنيل الرحمات الايرانية في اهلية هذا الطرف او ذاك للمنصب .
ان المعيار الايراني في القبول بأي سياسي شيعي لتسلم منصب رئاسة الوزراء العراقي عادة يكون وفق مجهر الاجندات الايرانية في العراق والتناغم مع المصالح الايرانية في المنطقة خلال السنوات الاربعة لحكمه منذ الالفين وستة ولغاية الان . وبالطبع فان اقليم كردستان يشكل احدى اولويات الاجندات الايرانية ايجابية كانت ام سلبية .
لذلك فالرهان الكوردي على شخصيات موجودة في الائتلاف الوطني يتوقع منها اداء افضل من اداء المالكي ازاء الملفات الكردية العالقة هو رهان خاسر , فسواء كان المرشح من دولة القانون ام من كتلة المواطن او حتى من الصدريين فلن يكون مستقلا في قراراته بعيدا عن التأثير الايراني كما كان عليه الحال مع المالكي تماما .
اما بالنسبة للموقف السني العراقي فهو ضعيف ومشتت بين تطرف قومي لا يمكن تشكيل تحالف مثمر معه وبين تطرف ديني تنعدم المشتركات معه , ولذلك فالتفكير بتحالف كردي سني يمثل عبثية سياسية لا طائل منها وان وجد في ظرف معين ووفق سياقات معينة فلا يمكن ان يتحول الى تحالف ستراتيجي للسنوات الاربع القادمة . من جهة اخرى فان العامل السني الاقليمي والمتمثل بتركيا هو عامل لا يمكن الوثوق به وقد اثبتت التجربة السياسية خلال الثلاث سنوات الماضية ان التقارب الكوردي مع تركيا وصل لمرحلة يمكن تسميتها بمرحلة التخمة السياسية دون ان يجني الطرف الكوردي منها ثمارا حقيقية , والانفتاح الذي حصل في العلاقات بين كردستان وتركيا كان نتيجتها مكتسبات احادية الجانب تصب في الصالح التركي وكشفت ان تركيا لا تمتلك ما تقدمه لكردستان .
ان الامتداد الجغرافي والسياسي لكردستان يقع ضمن منطقة تسيطر عليها نفوذ السياسة الايرانية من ايران شرقا وحتى البحر المتوسط غربا ( كما صرح بذلك مستشار المرشد الايراني للشؤون العسكرية قبل ايام ).. ولذلك وللأسباب الانفة الذكر نرى بأنه قد ان الاوان في كردستان لوضع علاقاتها مع تركيا وأمريكا على الرف ( دون تضعيفها ) والانهماك في اقامة علاقات سياسية واقتصادية وثيقة مبنية على مبدأ المصالح المشتركة بين الطرفين , فالطرف الايراني يحتاج الى رديف لحليفها الشيعي في العراق خصوصا وان الوسط الشيعي السياسي في العراق ليس بالقوة السياسية التي تحتاجها ايران ويمتلكها اقليم كوردستان .
ان اي انفتاح كوردي حقيقي على ايران سيكون له اثارا ايجابية كثيرة على كوردستان ويجعل من مجال المناورة واسعا امامها حتى مع الحليف الامريكي التركي لاسيما ونحن على اعتاب تشكيل حكومة عراقية جديدة توجد بينها وبين اربيل مشاكل عالقة كثيرة وحل هذه المشاكل قطعا لا يكمن في بغداد ولا في انقرة وإنما في طهران التي اصبحت الطرق كلها تؤدي اليها في المنطقة .
مقالات اخرى للكاتب