اعتاد الصغار في كل العالم اللعب بأسماء بعضهم البعض. سمعت الكثير من ذلك بين الأولاد الإنجليز مثلما عرفت مثل ذلك من أولادنا. إذا قصدوا التملق لي نادوني باسم «خلودي». بيد أن الشعراء لا يقلون إمعانا في هذه الجولات الصبيانية. يأتي الكثير من ذلك في هجائهم وقذفهم لخصومهم مثلما يتردد منه على سبيل المدح والمحبة، وهو ما فعله عبد الله البستاني مع معروف الرصافي. كانا قد جلسا في أحد المقاهي، ثم شاء عبد الله البستاني أن يزيد من إعجابه بالشاعر العراقي الكبير فقال وضمن هذه التورية الظريفة:
إني لأشربها على ذكر امرئ
هو بالفصاحة والنهى موصوف
إن كنت تنكره فليس بضائر
أبدا عليه، فإنه «معروف»
وأجابه معروف الرصافي فورا بهذين البيتين، اختلفا في القافية ولكن تلاقيا بالأسلوب والمقصد:
إني لأشربها على ذكر امرئ
الفضل فيه ليس بالمتناهي
إن الفصاحة والبلاغة والنهى
والفضل أجمع عند «عبد الله»
وفي هذا الإطار أيضا جرت مناوشة شعرية بين الكاتب السياسي المعروف فهمي المدرس والشاعر الكبير جميل صدقي الزهاوي، عندما دعي الاثنان مع غيرهما من الأدباء والشعراء ورجالات الدولة الفتية لزيارة الملك فيصل الأول (رحمه الله) في بيته قصر الزهور في الحارثية، وتولى فهمي المدرس تنظيم الجلسة ولم يحسن اختيار المقعد الملائم القريب من الملك لزميله الشاعر، وكان الزهاوي معروفا في تطلعه للتقرب من أهل السلطة، فأغاظه ذلك، فلما خرج قال لأصحابه هذين البيتين اللذين غمز بهما قناة صديقه الأديب فهمي المدرس:
أنا لو كنت بليدا
فاز في الأسهم سهمي
إنما أخرني اليوم
عن الأقران «فهمي»
سمع فهمي المدرس هذين البيتين فرد عليه قائلا:
أنا لو كنت بليدا
طاش في الأسهم سهمي
إنما قدمني اليوم
على الأقران «فهمي»..