اينما تسير تستوقفك حالة لافتة، قد تكون على صورة جدار كونكريتي، او انسدادت مرورية غير عقلانية، او سيارات تخرج من نوافذها مواسير البنادق. انها صور مقنعة نتسامح معها ونعتقد انها حالة اضطرارية لوطن يريد ان يتحدى حظه الأعوج، وغدر الأزمنة، والعثرات الخرافية، و... يعيش.
العراق بلد مقنّع الجهات. فما على الارض ليس بالضرورة هو الحقيقة الملموسة. وما نقوله في الغالب لا يصادق عليه المنطق. وما نفعله يضيع أثره أمام جسامة ما علينا فعله. وبالمحصلة فان ما نظن انه حالة طارئة يستوجبها الحس الامني المستنفر، قد يكون في الحقيقة من اكثر الامراض شيوعا: الاكتئاب النفسي.
الاكتئاب الشعبي العراقي ماثل الخطورة في يومياتنا الاحتكاكية، حيث الغلبة للنزعة التشاؤمية والشعور بالملل والإفراط العصبي مع ارتفاع موحد في درجة التعب.
اننا نسير في الشارع وليس لدينا الرغبة في النظر الى السماء او الارض ولا يهزنا الزمن ونشعر ان كل ما حولنا ضدنا. السعادة تعني فك احدى الازمات بينما الراحة تعني الموت.
ان اخطر ما يواجهه العراق الان هو الكآبة. وأفدح ما قد نقع به هو تفكيرنا الارتدادي، الذي ربما يجعلنا نستنسخ الماضي بأساليب جديدة، وقد نقع دون انتباه منا بما يعيدنا الى ما وراء الوراء.
الكآبة مرضنا الاول وعدونا الاشد فتكا بنا. انه التعرض الطويل للعنف والاعتداء الجسدي والانسحاق طويلا تحت التعسف والظلم والذل وشتى انواع الفقر. انه الظن المزمن ان الجميع يريدون سلبنا انسانيتنا بمناظر البشاعة ولغة التهديد. انه الوصول بنا الى التوحش والعزلة.
على خططنا ان تتجه اولا نحو تجميل الوطن ورفع ركام الحزن عن المدن وغسل الاشجار ونوافذ الابنية ومحاربة الغبار، وان نبحث عن طرق ناجحة للوصول الى النظافة وبتر اذرع الروائح الكريهة. علينا ان نؤمن ايمانا قاطعا وبدون مراوغة سياسية ان استعادة التوازن النفسي هو اسهل الطرق الى التقدم والازدهار.
بدون الحدائق لن يكون لنا جيش حقيقي، وبدون الالوان الفاتحة لن تكون لنا ثروات طبيعية، وبدون صالات العرض السينمائي لن تكون لنا دوبلوماسية قوية، وبدون اشجار النخيل لن يكون بمقدورنا ان نتحلى بالقوة في منظمة اوبك، وبدون كتب الاطفال المصورة لن يكون العراق دولة معترف بها، وبدون ابتسامة الشعب لن يكون بمقدورنا ان نلعب كرة القدم ابدا.
مقالات اخرى للكاتب