Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
ابو حالوب
الجمعة, آب 7, 2015
محسن حنيص

  نص مفتوح 
في آخر زيارة للعراق ألتقيت بأحد الاصدقاء القدامى  وطاف بنا الحديث ودرنا على سلسلة المنافي التي أبتلعت العراقيين ( وأنا واحد منهم )  حتى وصلنا الى سوريا . وجدت نفسي  اتنهد وأزفر حسرة على هذا البلد الذي مررت فيه قبل ان انتقل الى منفاي في هولندا . الفترة التي عشتها في سوريا كانت كافية لعشق أبدي لهذا البلد وعاصمته العريقة . فجأة انعطف الحديث الى موضوع آخر  لم اكن راغبا في الخوض فيه . سألني صديقي :
((  ما هو برأيك مؤشر اقتراب النظام في سوريا من نهايته ؟ ))
اجبت بلا تخطيط و بعفوية الى حد ما :
 (( حين يختفي ابو حالوب  )).
لم يكن نديمي على علم بقصة ( أبو حالوب )  لذلك ظن انني احاول ان القي نكتة في غير محلها . لكني اكدت له اني لا امزح ولا ابغي ان أؤلف نكتة لا تليق بحمام الدم الذي يجري هناك . تضافر فضوله وشهيتي للكلام الى فتح ملف ابو حالوب الذي كان مجهولا تماما بالنسبة له .
(ابو حالوب )  هو عراقي غادر بلاده عام 1978 في رحلة ليست سياحية , رحلة من نفس النوع التي اعتاد العراقيون عليها: رحلات الذهاب فقط . عبر ابو حالوب الحدود البرية سرا حتى وصل الى دمشق . ولأن سفرته البرية كانت شاقة فقد فكر ان يستريح وينفض تعبه في احدى مقاهي المدينة . سحبته قدماه الى مقهى في وسط المدينة. جلس في اول كرسي فارغ صادفه ( الكرسي الاول على اليسار بعد المدخل مباشرة ) . منذ تلك اللحظة وهو جالس على هذا الكرسي في طقس يومي لم يتغير مرة واحدة. عشرة ساعات يوميا على نفس الكرسي ولفترة لا تقل عن ثلاثين عاما . في هذا المكان وعلى مدى كل هذه العقود من السنين مر كل العراقيين بأبي حالوب قبل ان ينتقلوا الى منافيهم المنتشرة في الأرض .
يقع  ابو حالوب في قلب مدينة دمشق : الصالحية , وتحديدا في ( مقهى الروضة )  وفي الكرسي الاول على اليسار بعد المدخل مباشرة .
 ان اية محاولة لتعريف او تبسيط اوتلخيص ابو حالوب سوف تبوء بالفشل . والأفضل هو المرور به والجلوس معه وفتح صفحة في سجله . لا يكلفك فتح هذه الصفحة سوى قدح شاي متفق عليه مع أدارة المقهى . يمكن ان اقول دون اي تردد ان سجل ابو حالوب لا يقل عن مليون صفحة في كل واحدة أسم لعراقي خارج وطنه .لا يمكن ان نطلق عليه اسم زبون دائم لمقهى الروضة , لأن الواقع أكثر تعقيدا من هذا الوصف .ان ابو حالوب هو ديمومة غامضة تتجاوز اي مصطلح . أنه ظاهرة غريبة ربما تحتاج الى تدخل من فيزياء الكم  . قد يغيب الزبون عن المقهى لاي سبب : مرض, جنازة ,عرس , او ملل , أما ابو حالوب فلم يغب يوما واحدا عن مقهى الروضة طيلة اكثر من ثلاثين عاما . الا يستحق ان يقيد في كتاب غينيس ؟
يصعب على اي عراقي يدخل الشام تجاهله. وحتى لو لم يمر بأبي حالوب فأن وجوده في سجل ابي حالوب شبه مؤكد . تتحرك مجسات أبو حالوب بشكل دائم وغريزي وتربط هذا بذاك . وحين يقيدك في سجله يقيد معك كل معارفك حتى الدرجة السادسة  . ومن الناحية التاريخية فأن أبو حالوب هو اقدم من (غوغل)  بما لا يقل عن ربع قرن . فأذا سألته : أين باسم ؟ يجيبك : اي باسم تقصد ؟ باسم قهار , باسم المرعبي , باسم حميد , باسم شريف ,  ام باسم العلي ؟ .
و تعتبر زوجتي (كريمة الفريجي) من اكثر المشككين بصحة رواياتي . وهي ترى ان الفرق بين الكاتب والكاذب ليس اكثر من حرف واحد. فأذا أخذنا بعين الاعتبار النوايا الطيبة ووضعنا الخيال والكذب في سلة واحدة يمكن اعتبار رؤيتها صحيحة الى حد ما . وبمرور الوقت واختلاط الواقع بالخيال اصبح من الصعب علي فرز هذا عن ذاك . وقد انسحبت هذه النتيجة على الكثير من تجاربي ومشاهداتي الحقيقية ومنها طبعا قصة ابو حالوب . بقيت لسنوات طويلة اؤكد لها ان ابو حالوب هو شخص بلحم ودم لكنها لا تصدق وتعتبر ابو حالوب هو خرافة من صنع خيالي . ولكي اثبت لها صحة المثل الشعبي القائل ( يفوتك من الكذاب صدق كثير) كان علي ان أريها أبو حالوب بشحمه ولحمه . جاءت لحظة الفصل حين قمنا بزيارة الى سوريا عام  2009 لرؤية أهلنا  بعيدا عن العراق ومفخخاته  . اول شئ فعلته بعد وصولنا هو دعوة زوجتي  الى تناول فنجان قهوة في مقهى الروضة . وجدنا ابو حالوب في مكانه بالضبط ( الكرسي الاول على اليسار بعد المدخل مباشرة ) . جلسنا على طاولته . وبعد اول رشفة من القهوة بادرته بالسؤال :
(( ماهي أخبار عدنان ؟ ))
 أجابني على الفور :
(( أي عدنان تقصد ,  عدنان الصائغ , عدنان الشلاه , عدنان ابراهيم , ام عدنان حسين ؟ ))
تبادلت النظر مع زوجتي وتركت لها حرية اختيار ال(عدنان) . اختارت زوجتي المخرج التلفزيوني (عدنان ابراهيم)  لانه الوحيد الذي تعرفه . اجابها ابو حالوب بتلقائية وببروده المعتاد : عدنان ابراهيم قتل قبل اسابيع. وجدوا اثني عشر طعنة سكين في ظهره . وبدأ يسرد لنا تفاصيل قصته والروايات المختلفة عن اسباب أغتياله وزيجاته الاربع  ( آخرهن كانت  .الممثلة نورمان أسعد  ابنة الفنان أسعد فضة ) . راح ابو حالوب يستعرض تفاصيل وأسماء كثيرة الهبت حماس زوجتي ففتحت لها أذنيها على المصراعين ودفعتها لطلب فنجان قهوة ثان .
ابو حالوب هو سجل دقيق للعراقيين العابرين الى المنافي . دفعت هذه الظاهرة مخرجا مسرحيا مرموقا مثل ( باسم قهار)  الى تقديمه كعمل فني بألأتفاق مع قناة الجزيرة .
. ان وصف شكل ابو حالوب : طوله ووزنه ليس هاما . والأهم في ابو حالوب هو ذاكرته . على وجه التحديد عضو الذاكرة : المخيخ , هذه الهشاشة البلغمية التي نتأملها طويلا من خلف زجاج عربات باعة سندويجات الاعضاء غير المحترمة في الاغنام ونأكلها احيانا بتلذذ ( خليط من الفقر والجوع والحس الطبقي)  , هذه الكتلة الهشة هي اقرب صورة لأبي حالوب . هكذا يبدو ابو حالوب :مخيخ معبأ بحكايا المنفيين العراقيين .انه المحطة التي لابد من المرور بها قبل الوصول الى المنفى . لماذا هذا الاصرار على الثبات رغم ان كل ما يمر به هو متحرك.  كل ما يتداوله من اخبار وأسماء تشير الى الترحال , الى التبدل, ألى الذهاب والغياب , الى الرواح والمجئ , والانتقال المستمر , هذه هي بضاعة ابو حالوب. أنه حكاية المنفى .
هل هو الحكاية كلها ؟ ام هو سجلها. والذين التقوه وأنا واحد منهم يلاحظون أنه لا يتدخل في مايحكيه. ذلك ان وعيه المتواضع لا يصلح ان يسجل سوى الصادرة والواردة لهذا الحكاية المتعددة الأبعاد , وان محاولة اعطائه دورا اكبر من ذلك فيه نوع من الاحراج له . المرجح لدي انه احد الرواة الثقاة , انه لا يعرف الكذب ليس بسبب ميله للصدق ولكن لأفتقاره الى الخيال , ولهذا استبعد من جميع كتب الصحاح . ولكن هذا هو الضروري في بعض الاحيان .
وجد ابو حالوب نفسه قبل ثلاثين عاما ينتقل من بغداد الى الشام واول شئ فعله هو الجلوس في اول مقهى صادفته , وظل يداوم على الكرسي ذاته طوال هذه السنين وانتهى الامر . الغريب انه لم يصب بأي مرض من امراض الجلوس المتواصل مثل الفقرات او الروماتزم . اما السأم فقد ظل بعيدا عنه . بل اكاد اجزم انه لا يعرفه . وهذا ما حيرني ودفعني احيانا للتشكيك في مصداقية علم النفس . ابو حالوب هو الشخص الوحيد المختلف في قصة المنفى . انه الوحيد الذي لا يريد مغادرة مكانه . وفي الوقت الذي كانت تعصف بابطال حكايتي كل عصاب الترحال وهستيريا اللجوء, كان هو ينقل هذه الهستيريا بأمانة وبلغة باردة .وضعني ابو حالوب في مواجهة صريحة مع ظاهرة الملل , الملل هذا القانون الذي يشمل موجودات الكون بما فيها الله نفسه .الم يخلق الله الانسان بدافع السأم ؟ فلماذا لا يمل ابو حالوب ؟ كانت هذه الاسئلة تدور في مخيلتي على الدوام وانظر من خلالها الى هذه القطعان من البشر التي لا تشبه ابو حالوب . الذين يتقاتلون من اجل الوصول الى أي شئ آخر : مكان آخر , مدينة اخرى , بيت آخر , رفيقة اخرى , بلد آخر. كل شئ يتبدل الا ابو حالوب . يظل ابو حالوب في كرسيه العتيد يتحدى قوانين الطبيعة والعراقيين جميعا . يتحدى ديانة العالم الثالث التي تتلخص بالوصول الى امريكا او استراليا او كندا او اوربا .
هل كان ابو حالوب وكيلا للمخابرات السورية ؟ هذه الرواية سمعتها ولكني استبعدها لسبب بسيط هو ان ابو حالوب لم يؤذ احدا طوال هذه العقود من السنين . وهي في الواقع رواية ضعيفة اعتدنا ان نفسر من خلالها الظواهر الغريبة في مجتمعاتنا الفقيرة بالاستثناءات , الفقيرة بالخراف الشاردة من القطيع . كل ماهو غريب هو من صنع المخابرات هذه هي العقلية السائدة .
لا توجد رابطة بين ما يرتكبه  النظام السوري وابي حالوب , ذلك انهما من طينة مختلفة والفرق بينهما هو نفس الفرق بين وحيد القرن والنملة . ولكن هناك شئ واحد يجمعهما للأسف :أختفائهما المتزامن . ان حدسا قويا هائل الوقع يضغط علي الآن بقوة يؤكد لي انهما سيختفيان في وقت واحد . لا يهم من سيختفي اولا , لكني املك شعورا عارما يقول لي ان اختفاء احدهما يتبعه بشكل فوري وتلقائي اختفاء الآخر . ارجو ان لا يكون كلامي هذا حافزا للمعارضين السوريين لتصفية ابي حالوب لأنهم بذلك يرتكبون خطأ شنيعا
لقد تأكدت من هذا الأقتران ( بين مصير النظام السوري  وأبو حالوب )  من خلال شواهد يصعب المرور دون التوقف عندها . ففي زحمة الصراع الدموي المحتدم في  هذا البلد حاول ابو حالوب البحث عن مقهى بديل خارج سوريا . فلم يجد امامه سوى مدينة اربيل الكردية متخذا من مقهى ( مجكو ) مقرا له  .  التقيته هناك فوجدته قلقا وعاجزا عن الاستقرار على التخت الكردي ,  ولكي يخفف هذا القلق تحولت حياته الى زيارات مكوكية بين أربيل ودمشق . هنا وقفت مندهشا ومذهولا امام الوقائع . فحينما يكون ابو حالوب  في  مقهى ( مجكو )   يتقدم الجيش الحر وجبهة النصرة  والدواعش ويتقهقر الجيش السوري وحليفه حزب الله . ولكن حالما ينتقل ابو حالوب  الى الشام ويجلس  في مقهى الروضة  يستعيد الجيش السوري كل المدن التي فقدها  ويزيح خصومه.  وسواء كان ما يجري  هو صدفة  او  اقتران . فان تكراره بالنسبة لي  أمر يصعب تجاهله .  .
 وقبل ان اختم مقالي . انتهز هذه الفرصة لأوجه نداءا الى ادارة مقهى الروضة للتعجيل بأخذ قالب جبسي لأبي حالوب لأن تمثاله في مدخل المقهى سيكون أمر شبه بديهي وسيوفر للمقهى دخلا أضافيا . سوف يتحول ابو حالوب بالضرورة الى معلم سياحي ومزار لجميع العراقيين الذين مروا على دمشق في طريقهم الى المنافي .


مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.47931
Total : 101