العراق تايمز: كتب كاظم فنجان الحمامي
كان أول الذين حملوا حقيبة وزارة النفط والغاز في أغنى دولة نفطية عربية، لكنه مات فقيراً في عزلته الطوعية خارج بلاده، فلقبوه بالبترولي الفقير، والوفي الأمين. عرفه القاصي والداني بعفته ونزاهته واستقامته، فالقناعة من أغنى كنوزه الشخصية، وأقوى حصونه الذاتية في مواجهة طوفان الفساد الغربي المستشري في ستينيات القرن الماضي. كان رحمه الله في طليعة الخبراء الذين شيدوا بنيان منظمات الأوبك والأوابك، وأشرف على إدارة شؤونها، وكان أول الذين رفعوا شعار (نفط العرب للعرب)، وله الفضل الكبير في تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية، وفي تحرير حقوق المحاصصة الوطنية من قبضة الشركات النفطية الاحتكارية، وأول المطالبين بالمحافظة على الغاز الطبيعي المستخرج من باطن الأرض، وأول من وقف بوجه السياسات النفطية الأمريكية، وأول من سخر من البيت الأبيض بتصريحاته الجريئة، التي قال لهم فيها: (نحن أبناء الهنود الحمر الذين باعوكم مانهاتن، وقد حان الوقت لتغيير بنود تلك الصفقة المخادعة)، وذلك لتذكيرهم ببطلان الاتفاق الذي عقده حاكم مستعمرة (نيو نذرلاند) المدعو (بيتر مينويت)، عندما ضحك على زعيم الهنود الحمر، واشترى منه جزيرة مانهاتن عام 1626 بثمن بخس، لا يزيد على ألف دولار فقط من دولارات ذلك الزمان.
أنه الخبير النفطي العربي عبد الله بن حمود الطريقي، رجل يمثل ظاهرة فريدة ومتميزة ومثيرة، لا على مستوى السعودية فحسب، بل على مستوى الوطن العربي أجمع، بما حققه من سمعة طيبة في مجال صناعة النفط، وربما ساعدته سمعته في العمل بدرجة مستشار نفطي لمعظم الحكومات العربية في سوريا ولبنان والأردن والعراق والكويت وأبو ظبي واليمن ومصر وليبيا والجزائر. ثم سطع نجمه في الفضاءات السياسية بتعليقاته اللاذعة، وتصريحاته المثيرة للجدل، حتى بلغ ذروة الاثارة والتألق، فصدرت الأوامر بإعفائه من منصبه كوزير، الأمر الذي أتاح له فرص التحليق عالياً في أجواء الحرية المطلقة خارج قيود الضوابط الرسمية المتشددة، فانبرى لمشاكل النفط العربية وتعقيداتها المرتبطة بالشركات العملاقة، ولم يتوقف عن خوض معاركه النفطية حتى بعد أن ووري الثرى، ذلك أنه كان في قمة عطائه الفكري والمهني. حمل على عاتقه رسالة توعوية مصيرية، عمل من أجلها، وقاتل في سبيلها حتى وافاه الأجل في القاهرة عن عمر يناهز الثمانين.
ولد (الطريقي) في الزلفي بالسعودية عام 1918. وزوجته هي (السيدة مها جنبلاط) شقيقة الزعيم الدرزي الراحل (كمال جنبلاط). تزوجها بعد طلاق زوجته الأمريكية، التي انجبت له ابنه (صخر). كان مناضلاً حتى الرمق الأخير. قال لزوجته قبيل وفاته: دعيني أموت واقفاً في مواجهة التحديات المعادية للعرب، لكنه رحل إلى العالم الآخر ولم يجنِ من أفكاره القومية ونضاله الوحدوي شيئاً، فقد تشتت العرب، وتعمقت خلافاتهم، ونشبت بينهم العداوات والخصومات، وعادوا إلى مضارب الجاهلية الأولى.