لا علاقة (للماكو) هنا بالماكرو Macro, الذي يعني في علم البرمجيات: دمج الأوامر النمطية المتكررة في أمر مبسط واحد, ولا علاقة (للماكو) بلقطات الماكرو الفوتوغرافية, التي تصور الأشياء من مسافات قريبة جداً, ولا علاقة لها بالماكروبيوتيك, التي تعني البرمجة اللغوية العصبية, ولا علاقة لها بحلوى الماكرون الفرنسية اللذيذة, فالماكو في لغتنا السومرية القديمة تعني: (لا شيء), وتعني باللغة الانجليزية (Nothing), وباللهجة المصرية (ولا حاجة) أو (مفيش), وما أكثر شهادات الدكتوراه والماجستير هذه الأيام في هندسة الماكو, وفي كيمياء الماكو, وفيزياء الماكو, وتاريخ الماكو, وما إلى ذلك من الاختصاصات الحنقبازية, التي ما انزل الله بها من سلطان. . من جملة شهادات الماكو, نذكر إن أحد المواطنين العرب حصل من جامعة أوكرانية على شهادة الدكتوراه في تحليل النوبات العصبية التي يمر بها طائر الخفاش الصيني, وحصل مواطن آخر على شهادة الماجستير في الآداب من جامعة جورجية في اللغة الفهلوية, وهي من اللغات الساسانية المنقرضة. . ترى ما هي المنافع والفوائد التي يمكن أن يجنيها المجتمع من حملة هذه الشهادات المثيرة للسخرية, فما الذي نستفيده نحن إذا عرفنا إن طائر الخفاش الصيني كان على ما يرام, أو انه بات ليلته منزعجاً مهموماً مغموماً, وما الذي نجنيه نحن من شخص يتحدث بلغة لا يفهمها إلا فهلوية الجيش الساساني وبهلويته في العصور الغابرة ؟؟, ألا يحق لنا أن نضع مثل هذه الاختصاصات على رفوف (الماكو), باعتبارها من الاختصاصات, التي لا تضر ولا تنفع ؟. . والأدهى من ذلك كله إن هذه الظاهرة المضحكة لم تقتصر على الاختصاصات الغريبة النادرة, بل تجاوزتها نحو الأسوأ بعد تفشي ظاهرة الشهادات العليا المزورة بين صفوف القادة والزعماء والوزراء والمدراء والسفراء في عموم البلدان العربية, فالشهادات المستوردة من الجامعات المتهاونة مع الذين يدفعون أكثر, والوثائق الجامعية التي ينالها الطلاب بالغش الصريح, أصبحت من إفرازات الفوضى الخلاقة التي اجتاحت البلدان العربية بالطول والعرض, وصار لزاما علينا فحصها, وتدقيق بياناتها, والتأكد من صحة صدورها. . نسمع هذه الأيام الكثير من الأحاديث العامة في المجالس والمقاهي, تدور في معظمها حول كيفية الحصول على الشهادات العليا بأيسر الطرق من دول الأعلام الرخيصة, وجامعاتها الرخيصة, وذممها الرخيصة. . في السعودية (مثلا) أنشأت الدولة مؤسسة وطنية عليا متخصصة بالتحقق من صحة الوثائق والشهادات والمؤهلات من مصادرها, وكشفت المؤسسة عن (1500) شهادة مزورة, منها (489) شهادة في القطاع الحكومي, و(1011) حالة في القطاع العام. . وفككت المخابرات الجزائرية قبل بضعة أعوام شبكة أفريقية متخصصة بتزوير الشهادات العليا, وضبطت معها في الجزائر مجموعة من الأختام والنماذج الجامعية المطابق للأصل, ونشرت الصحف الأمريكية ومن بينها صحيفة (Spokesman Review) جردا مفصلا بمئات الأشخاص الذين حصلوا على شهادات مزورة من الولايات المتحدة, من بينهم (180) عربي, معظمهم من المدن المتحررة من الضوابط في البلدان التي شملها ربيع التزوير العربي. . لسنا مغالين إذا قلنا إن الشهادات العليا صارت (بيع وشراء), وعيني عينك, أدفع أكثر تأتيك الشهادة موقعة ومختومة بالشمع الأحمر من المعاهد والجامعات الرخيصة, وعلى قدر أهل المناصب الرفيعة تأتي الشهادات العليا, وما أكثر الساسة والقادة والزعماء العرب الذين اشتروا لهم ولزوجاتهم شهادات الدكتوراه في هندسة (الماكو) من تلك الجامعات, منهم من قضى نحبه, ومنهم من ظل يتباهى بها حتى يومنا هذا, لا نريد أن نذكرهم بالاسم منعا للإحراج, وخوفا من بطشهم ومضايقاتهم, لكننا نختصر المسافة فقول: إن (ليلى الطرابلسي) حرم الرئيس زين الهاربين بن علي حصلت على شهادة الدكتوراه في الوقت الذي لم تجتاز فيه عتبة الدراسة المتوسطة. . اما في العراق فمن المؤكد أن شهادات (الماكو) هي التي قصمت ظهر المؤسسات الإنتاجية, وأساءت لسمعة الكيانات السياسية, وهي التي زعزعت النظم الإدارية, وتلاعبت بسياقاتها الأصولية, وكان لها الدور الأكيد في وأد الكفاءات, فقد كشفت هيئة النزاهة في البرلمان عن عشرات الآلاف من الشهادات المزورة, كان من بين الذين يحملونها عدد من المسؤولين في الدولة, بل تكاد لا توجد مؤسسة عراقية إلا وفيها المئات من الشهادات المزورة. . وأحالت النزاهة في وقت سابق ملف الشهادات المزورة إلى القضاء, وكان يضم أسماء برلمانيين ووكلاء وزارات إضافة إلى عدد من المدراء العامين, ولفتت النزاهة إلى إن انتخابات مجالس المحافظات لعام 2009 شهدت تزوير (357) شهادة, معظمها من صنف (الماكو) المصوﮔر. . والله يستر من الجايات