بسم الله الرحمن الرحيم
(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله، إن الذين يَضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) سورة ص الآية 26
يمر العراق اليوم بمرحلة خطيرة .. تتمركز ملامح المرحلة في غياب صوت الحكمة والحق والصدق والمسؤولية، ذلك أن القائمين على السلطات الثلاث التشريعية والقضائية والتنفيذية ورئاسة الجمهورية قد اسكرتهم المليارات التي يدرها النفط على خزينة الدولة، وفي ظل غياب الانفاق الحقيقي على القطاع الزراعي والصناعي والخدمات التي باتت في حكم الميتة، فقد خطط المسؤولون لإنفاق أموال النفط على انفسهم وأحزابهم والموالين لهم من جيش وشرطة واعلاميين ومدنيين باختصاصات مختلفة فضلا عن دعم دول الجوار الصديقة (ايران وسوريا)، ناهيك عن حصة اقليم كردستان التي يتمتع بها قادة الاقليم وأحزابهم ومخابراتهم وعسكرهم في التخطيط لبناء دولتهم المستقلة.. وحرم الشعب العراقي من خيرات أرادها الله تعالى أن تكون لهم خيرا وصحة وعلما وقوة وبركة . الأمر الذي احدث انقساما ً طبقيا في المجتمع .. تمركز المال بيد طبقة السلطة، وتركز الحرمان والجوع في الشعب، الأمر الذي افقد السلطة الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فباتت عاجزة عن تقديم برنامج حقيقي سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي يعالج جوع الشعب وحرمانه ، ومن جهة أخرى احيا روح الثورة عند الشعب، الذي لم يعد يملك ما يخاف عليه سوى حريته وكرامته وكسر أغلاله التي باتت تشكل أحد اهم مصادر ضرورات الاصلاح او التغيير. وما لم ينتبه المسؤولون الى خطورة المرحلة ووعيها بعقل اسلامي حقيقي بعيداً عن ضيق الأفق المذهبي، فإن نيران الجوع ستشعل الأخضر واليابس.
وبغية الوصول الى نقاط مشتركة بين ابناء الشعب العراقي لدفع الكارثة دعونا نحتكم الى الوعي السياسي للإمام علي عليه السلام، نقتبس منه قواعد مواجهة الأزمات والكوارث من أجل دفع البلد الى شاطئ الأمان.
إن أعلى مسؤولية تمارس في المجتمع هي السلطة التشريعية، ثم السلطة التنفيذية التي تدير شؤون الأمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية.. فضلا عن شؤونها الدينية ، ومن يتفرغ لممارسة هذه المسؤولية ينبغي أن يكون عارفاً بطبيعة الأمة من حيث مكوناتها وتكوينها الحضاري وتكوينها العقائدي والمعرفي والاخلاقي، فضلا عن وعي اهدافها الاستراتيجية ودورها في بناء العالم، حتى يستطيع أن يرتقي ببرامجه المتعددة الى أمام، ويحقق النجاح الاداري والعدالة الاجتماعية والاقتصادية والنهوض الفكري لها.
لقد وعا الإمام علي عليه السلام هذه الحقيقة، فكانت طروحاته الفكرية تعبر عن وعي سياسي عميق بشؤون الحكم وضرورته حين قال: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنَرِدَ المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك". (نهج البلاغة – تحقيق د. صبحي الصالح ــ ص 188)
انها مهمات رجل الدولة المسلم ووعيه بمسؤوليته السياسية:
1 ــ الورود من معالم الدين.
2 ــ الإصلاح في البلاد.
3 ــ تحقيق الأمن بأنواعه كافة.
4 ــ إقامة حدود الله كافة.
في ضوء هذه المهمات حدد الإمام علي عليه السلام صفات الحاكم على النحو الآتي: "وقد علمتم أنه لا ينبغي أن يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والأحكام وإمامة المسلمين البخيل، فتكون في اموالهم نهمته ــ أي إفراط الشهوة والمبالغة في الحرص ــ ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الحامي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف (الظالم) للدول ــ أي للمال ــ فيتخذ قوما دون قوم ، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ــ أي الحدود التي عينها الله تعالى لها ــ ولا المعطل للسنة فيُهلك الأمة". (نهج البلاغة ــ ص 189).
لقد شخص الإمام علي عليه السلام بوعيه السياسي العميق أخطر مفسدات النظام السياسي وهي:
1 ــ البخل: الذي يؤدي الى قلة الإنفاق على الحاجات العامة للأمة، الأمر الذي يؤدي الى ركود اقتصادي يشل الدولة كلها ويفقدها قدراتها الاقتصادية وغير الاقتصادية، إلا الإنفاق على المصالح الشخصية.
2 ــ الجهل: إن جهل الحكام بأبجديات الحكم وافتقارهم الى خزينه التاريخي واستراتيجياته، يؤدي بالمجتمع الى كارثة محققة، لا سيما حين يرافق اللامعرفة الاستبداد في الرأي الذي يعد أحط أنواع الجهل السياسي، ولطالما عانت الأمة العربية والاسلامية من جهل الكثير من قادتها الذين اوردوها الردى وحمامات الدم، وأهدروا طاقاتها وضيعوها.
3 ــ الجفاء: أي العزلة والانغلاق السياسي والاقتصادي، الأمر الذي يفوّت على الأمة فرصة الحوار مع الآخر على مستويات الحضارة كافة ، والحوار مع ابناء الوطن الواحد ، الأمر الذي يحرمها من فرص التطور والانفتاح البناء.
4 ــ الظلم: بأنواعه كافة، وهنا يركز الإمام على (الظلم الاقتصادي) المتمثل بتخصيص الأموال لقوم وحرمان آخرين منه في إطار انحياز غير عادل، الأمر الذي يولد فتنة اجتماعية من خلال الفوارق الطبقية الناجمة عن سوء توزيع الثروة.
5 ــ الرشوة: إن من كبائر العمل السياسي في الأمم الراقية هي الرشوة، ولقد شخص الإمام علي عليه السلام هذه الحقيقة في عصره، مطلاً على المستقبل السياسي للأمم الراقية، الذي يشهد سقوط حكامها الكبار ــ بمقاييس السياسة الوضعية المعاصرة ــ بسبب الرشوة، إن إطلالة بسيطة على التاريخ السياسي المعاصر لأمم مثل امريكا وأوربا واليابان والصين على سبيل المثال، تكشف عن طبيعة الساقطين بسبب الرشوة وعددهم. ويكفينا أن نطلع على تقرير الشفافية الدولية لنطلع على ترتيب الدول الفاسدة التي ينطبق عليها معيار الإمام علي في الفساد .. ويمكن الاطلاع على هذه الروابط لمعرفة الحقائق
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AA%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B1_%D9%85%D9%86%D8%B8%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B4%D9%81%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D9%8A%D8%A9
http://www.nscoyemen.com/index3.html?id=8&id2=671
6 ــ تعطيل سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. : إنه اعتداء على أهم قوانين الوجود الإنساني ، وعمل العالم اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً ، ذلك أن سنة رسول الله انما هي قانون وجودي يهندس للعالم حركة النهضة الحضارية الشاملة وكل فعل سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي لا يقتدي بسنة رسول الله الصحيحة المنسجمة مع القرآن الكريم فمصيره الهلاك. وكل حاكم لا يستفيد من سنة رسول الله في ادارة شؤون الأمة يقود أمته الى الهلاك إن عاجلا ً أم آجلاً.
السؤال الذي ينبغي أن نضعه أمام القيادات السياسية الشيعية .. هو: هل يليق بالحسين عليه السلام أن تكون دولته عند هذا المستوى من الفساد..؟
سنطرح الحلول المقترحة والممكنة في مقال آخر ..
محمد السيد / الموصل
مقالات اخرى للكاتب