الى الخطى الاولى.. الى البداية.. و حيث ينتهون، ستظلين البداية.....
عقب ليلة مع أمير داعش
سأنثر الأروراق فأنت غير معني بها..
الخريف سيهدهدها بالريح..
و المطر سيمحو كل حبرها..
انت لك ان تمضي دون ان تلتفت..
الجميع يغادر دون ان تتريث نظراتهم ابدا عند هزيل المكان، أو فوق قطيرات الزمان المخاتلة امام فحيح الخلاء..
و قبل المغادرة كانوا قد باعوا حصتهم في كل هذا للنسيان، او للاهمال، و لعلهم قد اهدوها لطريق ما تدوسها كل قدم دون ان يعرفوا لماذا..
الأوراق سيتولاها عبث التأريخ..
فالتأريخ الذي يضع العمامة وقارا ليس سوى ذاك الذئب الذي حصد الشياه التائهة حصدا..
ليس بحاجة لارتداء جلد حمل..
فهو شجاع بما يكفي ليقول كلمته الاخيرة التي لا يشهد عليها احد ممن عاصر اكاذيبه..
هل سمعت بتأريخ وقف طويلا عند دموع الاطفال في حرب ما؟..
هل همس يوما سرا : ان الملك قد داس على شرف نساء البلاد التي اضافها ماس نصر يتوهج على تاجه؟؟
هل سمعت ان امرأة استطاعت يوما ان تختلي بالتأريخ، لتخبره شيئا مما حدث لها قبل ان ترتفع اهازيج المنتصرين؟؟؟
ها انت كما هو لا تخلد سوى انتصارك..
و لا تنسى سوى شقوق السيل على محيا الماضي..
الاوراق ليست من شأن اناملك الملوثة بدعاء مزيف..
كما رأيتك دوما ترفع كفيك نحو سماء لا اله فيها..
ترفعها رغم انه قد قال انه اقرب من حبل وريدك..
فكلم وريدك، هو من يعرف اين يقيم خالقه..
و دع الاوراق.. ان هي تناثرت فحسبي انني كتبتها يوما..
و انني عوضا عن الصراخ في صحراء بدو لا يوقنون فيه بسراب، قد اودعت دمعي كما السراب...
كل الآمال التي تحرق بذبولها بتلات الفؤاد..
كل القبلات التي تساقطت من اغصان ثغر هوى، فهوى معه العشق حتى قعر محيط لا نجاة فيه لغريق..
دعها..
أكانت هي كل صباك؟ كل ما يقلقك لسنين طوال؟؟..
ام انك لا تعلم ان ضياعها، قد سبقه ضياع زاوية كنت احشد الكون فيها، و اهتف ملء ارض و سماء:
عراااااق..؟؟..
و سبق هذا بزمن طويل فقدان بكارة الطمأنينة من وسادة لم تعانق سوى أرق الخذلان..
قد ضاع امان نهار لا تلوح فيه شمس الله..
ضاع هدوء ليل يبرق بعيني وحوش تبحث عن فرائسها فحسب..
دعها..
انها تطير كما تشاء لها الجاذبية.. وفق عناد الريح..
ان كلماتها الأيزيدية تتساقط كما تساقطت كلمات الحلاج و السهروردي.. دون ان يعني بها أحد..
ككل الرؤوس التي تحز، و لا يستغرق سقوطها من زمن المجرات ما يذكر.. رغم انها خرجت من ارحامها في لحظة لا طاقة للمجرات بها، و بوجع من وضع حملها بعد عناء...
انك تحتضن اوراقي.. و مزق جسدي توشم مخالبك بلحم قد نبض في جسدك قلبا، قبل ان يصبح قلبي فيه...
قد صاح النخيل فيك انه منك براء..
و رمى الفراتان بزبد الجثث حيث تظن ان الكنوز كلها قد اورثت لاحفادك...
سأنثر الأوراق فأنت غير معني بها..
فالخريف سيهدهدها بالريح..
و المطر سيكون سعيدا بحبرها الذي يتماهى مع أبجدية آذار....
_______________________________________________
مومس واحدة تعني ان الجميع دفعها لتكون بنت ليل..
تهمة احتياز دعارة
لم أعد بعدها الى هذا المكان أبدا، لكنها بالتأكيد قد عادت مرارا..
جلست الى جوارها، كانت تمتلك علبة سجائر، و لم تتردد كثيرا في إعطائي واحدة.
كما توقعت لي أمي..
انتهى بي الأمر أن أكون أنا، و ممتهنات الدعارة في مكان واحد..
الحرب لم تضع أوزارها بعد، و معظم العاهرات كن يساومن على أجسادهن، ليعاودن العمل، بعضهن يعيل أسرا كثيرة العدد، و الإقامة في السجن تعني نفاذ القوت في البيوت، و جوع الأطفال..
_هذه المرة لن أساوم..
_لم لا تخرجين بهذه الطريقة، في النهاية سيأخذون ما يريدون دون مقابل..
_لا يبدو انك مومس..
_نعم، أمتهن دعارة من نوع ثاني..
_انها أوضاع يختارها الزبون..
_لست أعني ذلك..
_أهناك دعارة لا أعرفها؟..
_الكثير.. ، معظم من دخلن التوقيف معي تم إخلاء سبيلهن سوانا..
_تضعين نظارة؟..
_كي أرى جيدا..
_هل ترين أكثر مني؟..
_لا ، لا أظن ذلك، انت قد شهدت ما لم أشهده..
_هل تعلمين لم أنت هنا؟
_نعم...
_ملابسك رسمية جدا، هل زبائنك من علية القوم؟..
_نعم..
_لدي خمسة أولاد من زوج فقد في الحرب..
_أية حرب تعنين؟
_تلك التي لم تزل تحرق الأخضر و اليابس..
_لدي ولد واحد، كانت ليلة عرس فقط، و غادرني عند الصباح دون عودة..
_أعثرتم على جثته؟
_دفنت واحدة تفتقر الى ملامح البشر، محترقة تماما.. كي أحصل على تقاعد، و بيت..
_أها؟، تزورين قبر رجل مجهول؟..
_ما الفرق؟، هل ترين فرقا؟..
ضحكت بضجيج متوقع من بائعة هوى..
_لا فرق بينهم، ذوقهم واحد، يشتمونك، و يسجدون امامك كل ليلة..
_أردت ان يكون لأمه قبر تزوره..
_أين وجدوك، مع من؟
_بعد إكمالي لإذاعة نشرة الأخبار، كنت وحيدة، حتى المخرج قد غادر، رغم ذلك أنا معك موقوفة..
_هل بعت الهوى على الهواء مثلا؟
ضحكت من جديد بصخب..
_لا، ربما لأنني لم أفعل..
_دعيه يحصل في الخفاء، هذا أفضل بكثير..
_هل فعلت ذلك يوما؟
_بلى، و كنت غبية حين رفضت ان يختلي حبيبي بي، و أمنحه ما أراد حقا.. ، فقد اضطررت بعدها الى الاختلاء بمئات غيره.. ، انتهى زمن الهوى ككل شيء آخر..
_إن لم يفعلها الشرطي، سيفعلها المدير..
_لدي خمسة ينتظرون..
_لدي واحد مصاب بالتخلف العقلي، هو مع جدته..
_لنخرج اذن من هنا..
_انت للشارع، و أنا نحو غرفة المدير؟..
_ليس لنا سوى ذلك..
_اعطيني سيجارة أخرى..
_كان التدخين يوما ما عصيا..
_كان........
_الشرطي قادم..
_المدير أيضا..
يقترب الشرطي و معه المدير..
غرفة التوقيف تغادر آخر نسائها..
______________________________________
صراخ في الزنزانات.. صمت خارجها.. هكذا لن تستوي المعادلة.. و سيصرخ من هو فيها، و من هو عليها..
زهراء
ولجتْ بابا قديما شديد الحياء، ضيق بمصراعين ليسا بواسعين ابدا..
لاحقتها عيناي حتى الدهليز الذي توارت في انعطافته..
قبعة نسائية تشبه غيرها..
أكانت هي؟..
عدت الى السوق مرة اخرى ابحث عن امرأة تشبهها..
لا ترتدي النساء العربيات قبعة عادة في هذه المدينة..
قادتني ظنوني الى العودة حيث البيت الذي اختفت فيه..
زقاق ضيق كجزء من حارة شرقية.. الباب متناغم مع غيره من مظاهر الشرق التي تلف المكان..
عند النافذة تعلقت عيناي بطيف يتحرك ببطء..
لعلها هي؟
_أيتها المرأة ، أهذا بيت زهراء؟
هكذا سألت باللغة العربية، و بالذات باللهجة العراقية..
_نعم هو ذاك..
أجابت المرأة بعفوية بالغة متابعة سيرها دون ان تنظر الي.. كأنها تعلم حقا كيف التقيت انا بها؟..
في زنزانة جمعتني بها وقوفا كانت انفاسها المتلاحقة تشعرني بالخوف
_زهراء عبد الرضا..
بعدها تختفي خلف صراخها في مكان قريب جدا..
في باحة سجن لمحتها مرة خرى بعد بضعة أشهر، و بطنها يتقدمها..
اليوم تبدو لي مختلفة، الا انها تحمل الكثير من اليافعة زهراء..
طرقت الباب بجرأة كبيرة..
وقف رجل عند الباب..
رأيت جرأتي تتحول الى وقاحة:
_اني ابحث عن امرأة شاركتني زنزانتي ..
_أية نزانة؟
أنت مخطيء ايها الرجل، لا يسكن احد هنا سواي..
عدت الى السوق تكاد خطاي ان تلذع الدروب الخاوية منها.. بدت لي بين شعاع الشمس، و بين عيني تتوهج كقطرة دمع تتوارى في مقلة نزحت قوافل انتظارها نحو غروبها دون عودة..
آه.. كم تؤلمني اليوم بوقاحتها هذه الشمس المستبدة..
فقد اشرقت بعد ذاك الظلام الذي احتوى مزق الثياب على جسد زهراء!!!!!!!......
_______________________________________________________
الطاعة لا تستحق تصفيق أحد ، انها تسحق وجودك فحسب..
يوم تمردت
أأنا الذي لم ارها ابدا ، ام هي التي اخفت وجهها خلف نقاب او قناع؟..
الشاي الذي تعده صباحا ، و تضعه امامي دون ان تنطق بشيء، سيرها الحذر، و الطريقة التي تنقر بها على الباب.. صمتها المستمر.. طاعتها.. كل هذا دفعني الى نسيانها حين لم تحضر ذات يوم..
جاءت اخرى.. لابد من الشاي و الفطور و الطعام بأوقاته..
توقفت و انا اضرب على لوحة مفاتيح الحاسوب.. و نظرت نحو المكان الذي اعتادت تناول غدائها فيه.. ركن من زاوية المطبخ يقابل غرفة المكتب التي لا اغادرها حتى موعد نومي..
_لم تجلسين هنا؟
_لعلك تحتاج شيئا ان ابتعدت؟.
حاولت تذكر ملامحها..
في روايتي وصفت الخادمة بدقة، لم اغفل حتى ردفيها و اهتزازهما اثناء الرواح و المجيء..
_ما اسمك؟
_خديجة..
_كم عمرك؟
_25 عاما
_متزوجة؟
_نعم، و لدي خمسة ايتام..
_خديجة انا لا اعرف اسم التي سبقتك في العمل هنا، و الآن لم استطع ان اتذكر شكلها.. هي ايضا كانت أما لايتام حرب..
_استاذ انت مشغول..
عيناها اطلتا من مرايا الخزانة.. التصقتا بالباب.. اتسعتا عند الجدار.. تجنبت النظر الى الاثاث، و انشغلت بالبحث عن مصدر المياه التي تبلل وجهي، و فراشي..
قطرات كبيرة تكفي لأغراق سريري الواسع، و افساد اثاث الغرفة كله..
رفعت عيني متتبعا مصدر القطرات..
عيناها السوداوان تفيضان بنظرات لوم.. تشغلان كل مساحة سقف غرفتي.. تمطران بسخاء.. تحوطان جسدي برموش كثيفة كأذرع اخطبوط..
تسحباني نحوهما..؟؟
_ أأنا الذي لم ارها ابدا ، ام هي التي اخفت وجهها خلف نقاب او قناع؟.. أم انني كنت مرتحلا مع قلمي، و لا أدري من تلك التي حملت ناقتي على رأسها، و اكتوت قدماها بكلمات رواياتي دون ان تفلح في رسم عينيها ابدا؟؟؟؟؟؟؟..
مقالات اخرى للكاتب