لست هنا بصدد الكتابة عن كنز القراصنة المفقود الذي نراه في أفلام القراصنة، حيث السفن الشراعية تمخر البحار والقراصنة القساة يصارعون الموج، ولكن عن بلد كله عبارة كنز مفقود إنه العراق نعم عراقنا الذي نعرفه.
عندما تكون الأرض ( نزيزة) أينما تحفر يتدفق الماء منها إلى السطح فورا، وهنا في العراق أينما تحفر تظهر الكنوز والآثار فالبلد كله عبارة عن آثار وكنوز.
قرأت ذات مرة في إحدى المصادر، أنه يوجد في العراق عشرون ألف موقع آثاري غير منقب فيه إلى الآن، ولم تكتشف كنوزه بعد، وبلغة أخرى ( لم تنهب بعد).
اليوم ونحن في جلسة سمر عراقية تربع (الطاولي) وسطها، وصحن من (الكليجة) و(إستكانات) الشاي[1]، دار الحديث بيننا عن كنز النمرود المفقود.
كنت قد قرأت سابقا عن الموضوع في محرك غوغل، وكيف أن هناك كنز من الحلي الذهبية عثر عليه الأثريون العراقيون في مدينة النمرود الواقعة على بعد 37 كم من مدينة الموصل. في عام 1988 وكانت تلك الآثار في حالة شبة جديدة وكأنها اشتريت توا من سوق الصياغة في شارع النهر، وقد بلغ عدد القطع التي عثر عليها 650 قطعة مختلفة الحجم ومنها نماذج ( موديلات) لا تزال تستعمل إلى الآن في ريف العراق الجنوبي مثل ( تراجي الشباك والخلخال وسلاسل أبو جعاب وسلاسل أخرى وكأنها ايطالية وغيرها من السلع المتقنة الصنع بشكل يلفت النظر ويدل على تطور تقني لا يصدق) .
يقولون في غوغل والعهدة على الراوي:
بعد أن عثر على هذا الكنز الفريد من نوعه، والذي يعد أهم كشف أثري في القرن الماضي على النطاق العالمي. قامت الحكومة بتخزينه في قبو محصن في بناية البنك المركزي العراقي، ويذلك سلم من نهب ( أرشد زوج أخت الرئيس صدام حسين) وجماعته، دون أن تجري دراسة علمية له على مختلف الأصعدة، المهم خزن هناك وتلك(مكرمة) من مكرمات القائد، وبعد سقوط بغداد على يد القوات الأمريكية الغازية عام 2003 حاولت مجموعة من اللصوص الكبار في الاستيلاء على الكنز، ولكون القبو مقفل ومحصن بشكل عصيّ ومفاتيحه عند موظفين مختلفين تواروا عن الأنظار بعد السقوط، عندها قام اللصوص بإطلاق قذيفة آر بي جي ليكسروا باب القبو ولكن القذيفة ارتدت عليهم وقتلت بعضهم وتلك لعنة الكنز.
نجحت القوات الأمريكية في الوصول إلى الكنز والاستيلاء عليه دون أن تصيبها اللعنة، وقام الحاكم العسكري الأمريكي ( بريمر) في عرض الكنز على الصحافة في قاعة المتحف الوطني العراقي، والذي سرقت معظم مقتنياته في وقت سابق ، وبإشراف ومباركة قوات الاحتلال.
قيل بعدها أن كنز النمرود أخذ إلى أمريكا من أجل توثيقه وعرضه وغيرها من الحجج، ولم نسمع خبرا بعدها عن هذا الكنز وأين حلّ به الدهر، وليته ظل مدفونا تحت الأرض لأجيال قادمة تحترم تراث أجدادها.
وإلى هنا كل الأمور معروفة من قبل الجميع ربما ولا جديد فيها وقد وثقها غوغل في أرشيفه، ولكن صادف أن واحدا من ضيوفي في تلك الأمسية، كان عضو في الفرقة الأثرية التي عثرت على ذلك الكنز.
وهنا طاب الحديث لأبي حسين وخاصة بعد أن تغلب بصعوبة على أبي محمد في لعبة الطاولة فراح يروي لنا وبشوق كيف عثروا على كنز النمرود قال:
كنا مجموعة من خريجي الآثار من جامعة بغداد في أيفاد تدريبي للبحث عن الآثار في مدينة الموصل، وكانت مجموعتنا بقيادة الأثري الدكتور وليد الجادر، ومن ضمن بعثتنا فتاة متوقدة الفطنة والذكاء من سكنة مدينة الشعب في بغداد، وكان اسمها على ما أذكر فيحاء ولا أذكر اسم أبيها أو كنيتها.
أعتدنا جميعا على الاستراحة في إحدى غرف قصر النمرود حتى أصبحت وكأنها مقرا لنا، واصل أبو حسين حديثه بعد رشفة من الشاي قائلا:
أعتدنا الجلوس في تلك الغرفة العادية جدا من غرف القصر دون غيرها، فنعود لها كلما نتعب من البحث، وكنا نترك حاجياتنا وبعض ملابسنا في تلك الغرفة فاصبحت وكأنها مقر عملنا أو غرفة استعلامات لنا أو سموها كما شئتم!.
أثناء إيفادنا كنا نقيم في فندق المحطة في الموصل ونتناول طعام الغداء في مطعم في مدينة الشرقاط القريبة من الموقع.
ذات نهار جميل رفضت الآثارية فيحاء الذهاب معنا لتناول الطعام كالعادة، وطلبت أن تظل وحدها ونجلب لها معنا شيئا تأكله عند عودتنا.
أحترمنا رغبتها ولكل واحد له رغباتة التي يجب أن تحترم دون الإلحاح لمعرفة الأسباب، وانطلقنا متلهفين لتناول وجبة كباب في المدينة.
ظلت فيحاء وحدها في غرفة استراحتنا، وحين عدنا بعد الغداء وجدنا فيحاء مشغولة البال بشكل غير عادي.
بادرتنا الفتاة عندما اجتمعنا هناك حتى قبل أن تأخذ (لفة الكباب الذي لا يزال دافئة وتفوح منها رائحة الطرشي المخلل والمتبل بشكل يسيل له اللعاب عندما تستنشق رائحته) قائلة:
هل لاحظتم شيئا غريبا هنا في غرفة جلوسنا هذه؟
رحتنا نتلفت يمنة وشمالا دون أن نلحظ شيئا، وهنا أشارت إلى بلاطة من الحجر وضعت بشكل مغاير لرفيقاتها دونما سبب هندسي معقول.
قالت فيحاء منذ زمن وأنا مشغولة الفكر في تفحص بلاط الغرفة هذه ، فوجدت أن كل البلاط فيها قد رصف بشكل هندسي متقن، فأثارت انتباهي تلك البلاطة المخالفة لرفيقاتها، ولم أجد سببا هندسيا أو جماليا يدفع بانيها لوضعها بتلك الصورة المخالفة لرفيقاتها، واليوم بعد تفحصي الدقيق توصلت إلى نتيجة أن وراء تلك البلاطة سبب مقصود، وأريدكم أن تعاونوني في كشف سر هذه البلاطة.
أثارتنا ملاحظة فيحاء حقا فجلبنا قسما من أدوات التنقيب المطروحة في الخارج، ورحنا وبكل حذر نحرر البلاطة من مواد البناء التي تشدها إلى أخواتها بأزاميل اعتدنا عليها في عملنا مثل جراح في غرفة العمليات، فرفعنا البلاطة دون أي ضرر، ورحنا نبحث في الأرضية التي تحتها، وبعد أن طرقنا على أرض الغرفة في ذلك الموقع بالأزميل، عرفنا أن تحت الأرضية قبو ما، فواصلنا الحفر بكل حرص، وأزلنا غطاء ذلك القبو فأوصلنا إلى قبر ملكي مهيب .
طلبت فيحاء منا أن تكون هي أول من يكتشف القبر، وهذا حقها طبعا فهي التي اكتشفته، فساعدناها في الهبوط إلى تحت ،وكانت أول النازلين إلى داخل القبو بسلم متحرك من الألمنيوم، ومن هناك نادتنا بكل انفعال أن أنزلوا لقد عثرنا على كنز كبير.
نزلنا إلى هناك يدفع بعضنا البعض فشاهدنا غرفة صغيرة وسطها حمام من المرمر متقن النحت( بانيو) وفيه هيكل عظمي ممدد يحمل بين ذراعية هيكلا عظميا آخر لطفل صغير وقد غطى التراب الهيكلان.
بعد أن أزحنا الغبار عن تلك العظام بكل حرص ورهبة واحترام ،رأينا الحلي الذهبية قد غطت الذراعان والصدر والساقين والبطن وكنا مذهولين مما نرى. كانت فرحتنا لا توصف ولكن يخالطها شعور بالرهبة والخوف. أيقنا أننا قد اكتشفنا شيئا مهما جدا.
أبقينا بعضنا كحراس لهذا الكنز، وراح بعضنا الآخر إلى الشرقاط ليتصل من هناك بمديرية الآثار في مدينة الموصل فلم تك التلفونات المحمولة مستلعملة في العراق في تلك الفترة، لترسل لنا إسنادا وحماية وتخبر بغداد بأننا فقد عثرنا على أهم كنز خبأته تلك الأطلال.
كثر الزوار الرسميون وكثرت العجلات والعدد والخبراء، وأبعدنا نحن المتدربون عن المعمعة وكأننا طارئون على العمل، ونقل الكنز بعدها إلى بغداد بصناديق خاصة.
أصدر وزير الثقافة حينها ( الرفيق ) لطيف نصيف جاسم أمرا بمكافئة الأثرية (لاكتشافها الكنز) . فيحاء بمبلغ قدره ( (خمسون دينار !!).
تصورا أن كنزا دفعت شركة ( كارتير) مبلغ مليون دولار لتصويره فقط ورفض طلبها كما أشيع، بينما مكتشفة الكنز فيحاء لم يذكرها أحد إلى اليوم واكتفوا بمكافأتها بذلك المبلغ التافه الذي لم يكن يساوي لفة كباب.
هكذا كانت تدار الثقافة في ذلك الزمن الصعب أما كيف تدار اليوم في هذا الزمن المرّ فتلك مسألة أمرّ.
صرح أحد المسئولين العراقيين الجدد للصحافة قائلا:
أن كنز النمرود موجود، دون الإشارة إلى مكان تواجده.
ذكرني تصريح الوزير بقصة تروى" أن أحد الأثرياء كان مسافرا على ظهر يخت في وسط البحر، وصادف أن أحد الخدم المسافرين معه يجلي إبريقا ثمينا فسقط من يده في البحر وغاص في الأعماق فحار المسكين كيف سيبرر فقدانه الأبريق لمخدومه صعب المزاج؟
قال الخادم لمخدومه:
سيدي إذا فقدت شيئا وتعرف أين مكانه هل تعتبره مفقودا؟ أجابه الثري طبعا لا، إذا يا سيدي أنا أعرف أن الأبريق راقد الآن في قعر البحر في هذه النقطة بالضبط حيث سقط من يدي للتو، وأرجوك أن لا تعاقبني على ذلك فالأبريق لم يفقد".
نتساءل هنا:
هل أن كنز النمرود موجود حقا كما صرح المسئول العبقري، أم هو ( راقد في بحر أمريكا) مثل إبريق صاحبنا، ويستنسخ الآن في الولايات المتحدة الأمريكية لتعود لنا نسخة مزورة منه بعد مطالبات ملحة هذا إن عادت .......
مقالات اخرى للكاتب