الأشقاء المصريون تبقى الوطنية وحب بلدهم سارياً في عروقهم أينما ذهبوا ومهما كانت الظروف التي تمر بهم عصيبة ، بل وفي أشد حالات الفقر والغربة والجوع يحتفظ المصريُّ بوطنيته ولا يمكن أن يتنازل عن حب أرض النيل والأهرامات، وجيلنا المعاصر للأشقاء المصريين وهم في ضيافة بلدهم العراق في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي لمسَ الأثر البالغ للتَرِكة الطيبة للشعب المصري وهم في أشد حالات الفقر .. عكسنا تماماً نحنُ أهل العراق وتحديداً بعض أبناء ( الأنبار ) محافظة الفرات وبادية السماء وعطر الأرض فقد تأكدتُ يوم أمس أنَّ البعض من المسؤولين والمثقفين ومن يعتقد بأنه أصبح كبيراً أو مشهوراً في هذه الدولة أو الحكومة ولربما يمتلك أموالاً ونفوذاً يبتعد قدر إمكانه عن ذِكر إنتمائه للأنبار!
محاولاً إدخالنا مرةً أخرى في طريقٍ تعبد بالدم والقهر والحزن .. لم يتذكر هؤلاء أنهم وأهلهم وُلدوا وعاشوا وتربوا فيها وشربوا من ماء الفرات العذب وأكلوا من خيراتها وسمعوا من مآذنها صوت الأذان وأجراس الكنائس .. وهو أمرٌ يشتهر به العراقيون جميعاً ويختصُّ به أبناء الأنبار .. فالعراقيون لا يُحبون بلدهم إلا بعد أن تتعمق جروحهم ويشتد جوعهم وتزداد قسوة الغربة في نفوسهم فتراهم يبكون في أول ذكرٍ لكلمة العراق.. لكن بعد فوات الأوان فها هم آلافٌ منهم مثلما فعل وإستجدى غيرهم قبل عقود يستجدون التجنس والتوسل كي يحصلوا على الجنسية في أيِ بلدٍ تحط فيه رحالهم ولا أقصدُ هنا أبداً من أجبرته ظروف الحرب الظالمة والنزوح، مع أنني أعترض على محاولة بعضهم طلب الجنسية فالهجرة والنزوح من مناطق الحرب والإقتتال .. فهم على الأغلب سيعودون إلى العراق بعد تحرير مدنهم من الإحتلال الداعشي والإحتلال الظالم لبعض الفاسدين الخونة في السلطات المحلية لمناطقهم ومدنهم وبعض العملاء المتسيسيين ، ولأني عراقيٌ من الأنبار أتأسف كثيراً على ما يقوم به البعض من أبناء الأنبار في داخل العراق وفي خارجه من محاولةٍ مريضة لإسقاط هوية الذات والأصل والأرض عن شخصيته، فمنهم من قلبَ لسانه ولقبه وتسميته بل تطاول بعضهم بالتجاوز الخاطئ على الأنبار وأهلها في محاولةٍ لكسبِ رضى الغير.. المال والنفوذ والمسؤوليات لا تُزيد العقلاء الأصلاء إلا تمسكاً بأصولهم وتشرفاً وطوقاً تتحلى به أعناقهم وتتوسم به قلوبهم.. أما أن يخرج أنباريٌ محاولاً إبعاد هويته عنه فنقول له أنَّ هناك من يحلم ويتمنى من أبناء الأنبار في كل ربوعِ الأرض أن يشمَّ عبير الرُمادي وقداح هيت وسنديان الخالدية وسدر الفلوجة وجوري العامرية وياسمين الكرمة وعيون الماء في حديثة ونخيل عنه وشواطئ راوة وواحات الرطبة وظل القائم.. نقول لمن يحاول أن يطعن بالأنبار وهو من أهلها أو من يُريد أن ينفصل عنها أو يفصلها عن العراق أنكَ واهمٌ جداً فعقول الفقراء الطيبين الصابرين المحتسبين من أهلي الغيارى لن يسمحوا لعملاء صغار أن يتلاعبوا بمصيرهم بعدما تذوقوا مرارة وذل النزوح.. فالأنبار يحكمها ويقرر مصيرها من يذوب حباً بها ويتحرقُ شوقاً كي يعود لها أما أن يخرج عملاء محترفين تنازلوا عن أصولهم في ظروفٍ قاسيةٍ قاتلة ثم تعود بهم مصالحهم الكاذبة ليعيدوا هيمنتهم على الأنبار مرةً أخرى فهم واهمون أقولها بثقة لأنَّ الأنبار من العراق والعراق جسد أهلها وقلبه وكيانه ..
ولله الأمر
مقالات اخرى للكاتب