مقدمة: بمزيد من الالم ننعى رحيل المربي والناقد الكبير حميد مجيد مال الله ويشرفنا ان نعيد نشر حوار كنا قد قدمناه للقارئ من قبل حاوره الزميل جاسم العايف..
حاوره: جاسم العايف
منذ بداية عقد السبعينيات والناقد المسرحي «حميد مجيد مال الله» يواصل كتاباته في العروض المسرحية العراقية ويقدم رؤى نقدية تطبيقية لها عبر متابعته لأهمها والتي تقدم في العاصمة وبقية المحافظات . كما يواصل اهتمامه بجميع العروض المسرحية في البصرة ، مهما كان مستواها والجهات التي تقدمها والكتابة عنها بروح المسؤولية الثقافية-الفنية. الناقد المسرحي «حميد مجيد مال الله ولد عام 1940 في البصرة وتخرج في دار المعلمين عام 1958- 1959 . عضو اتحاد الفنانين ورابطة نقاد المسرح العراقيين، وعضو اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين والعرب وعضو جماعة كتابات مسرحية .
كتب واعد واخرج ومثل بعض الأعمال المسرحية كما ساهم بالعديد من التقنيات الفنية في كثير من العروض المسرحية التي قدمت في البصرة أو التي قدمتها الفرق المسرحية البصرية في المهرجانات المسرحية في بغداد و بعض المحافظات. وهو منذ الثمانينيات عضو في اغلب لجان تحكيم المهرجانات المسرحية التي أقيمت في البصرة والعاصمة والمحافظات العراقية الأخرى. نشر كتاباته النقدية والبحثية حول المسرح العراقي في العديد من المجلات والصحف العراقية والعربية . صدر له عام 2009 وضمن منشورات «اتحاد أدباء وكتاب البصرة» كتابه البحثي المعنون» التدوير الدرامي» تناول خلاله معنى» التدوير مسرحياً» ورصد فيه مسألة «التدوير» في مسرح بالغ الأهمية هو «مسرح الطفل» وبحث في علاماته وتجسدها في فضائي النص والإخراج.
*تخصصت في النقد المسرحي بعد ممارسة تطبيقية في التقنية المسرحية، هل هذا ضروري للناقد المسرحي؟
- التخصص في النقد المسرحي هدف إشكالي، السعي إليه يتطلب منهجية نقدية محددة بل المنهج الأكثر حداثة، متغيرات منهجيات البحث قد تعود إلى عقود سابقة إلا أن تطوراتها (يومية الآن!) وما نستقبله (نستوعبه) في عداد الماضي إذا أدركنا أن أمس يصبح في عداد الماضي في حقبة نقد اليوم، نقد ما بعد البنيوية. نص النقد الذي اكتبه يتحدد ما بين (العرض النقدي والمسرحي) و (النقد المسرحي الصحفي) تخطي النوعين ربما يتحقق بحدود بسبب محددات (نص النقد المسرحي) ومنها التخصص الأكاديمي وإنتاج البحوث النقدية بتواصل واستيعاب الحديث في طرفي الإنتاج (الراسل) والتلقي مع الإقرار بتوافر التقنيات المعلوماتية في قريتنا الكونية.
*ضَعنا في الصورة بوضوح؟
-كما تعلم ، في مطلع السبعينيات بدأت العمل داخل فرقة هواة (جماعة كتابات مسرحية) ومؤسسيها الأوائل: الناقد والكاتب المسرحي إستاذي بنيان صالح والناقد العراقي المعروف الأستاذ ياسين النصير والكاتب المسرحي عبد الصاحب إبراهيم، والذي تم تهجيره خارج وطنه العراق خلال السبعينيات بحجة التبعية، وفيما بعد المرحوم الكاتب والمخرج جبار صبري العطية والأستاذ عزيز الساعدي ود. كاظم عيدان لازم ، حيث التثقيف المسرحي الجماعي والذاتي مع الممارسة والتطبيق والكتابة في الصحف والمجلات والدوريات لسنين وعقود. وضَعت تأسيساً لمكونات أدواتي إضافة إلى (التلقي المسرحي) في عدة محافظات ومنها بغداد بالطبع، ومتابعة تدريبات الفرق والتعقيب النقدي في عدد من المهرجانات وقراءة النصوص المطبوعة والمخطوطة.
*بدأت ناقداً تبحث في العرض المسرحي عما هو اجتماعي ، ثم توجهت نحو خطاب الحداثة،وألاحظ انك تتخطى أسسك النقدية القديمة في خطاباتك الراهنة..كيف؟ ولماذا؟
- بدأت بالعرض النقدي الصحفي وهو من تفرعات نص النقد. كان لا بد من إرسائه على أرضية ما، فكانت السسيولوجيا.إن إهمال فضاءات المسرح الأخرى وإعارتها أهمية متدرجة بعد (الفكرة) ربما تعود إلى مفارقة شاسعة بين ما أراه على مسارحنا وبين خزين متراكم في الذاكرة يتعلق بطرائق تمثيل راقية عبر شاشات السينما . كنت مشاهداً واعياً للأفلام الأجنبية منذ مطالع الخمسينيات . علمت متأخراً إنني كنت أشاهد المنهج أو الطريقة لـ(ستانسلافسكي) عبر أداء عدد من نجوم السينما الأمريكية خاصة في الأفلام التي أخرجها (إيليا كازان)، بالطبع (نص النقد المسرحي) يحلل فضاءات العرض المسرحي الثلاثة ، النصي والمنصي والمتلقي ، وفقاً للنظريات القديمة والحديثة وهي تستكشف المعنى والمبنى. وتجاهل فضاء محدد والتركيز على واحد منها يشكل خللاً رؤيوياً. أخضعت كتاباتي السابقة واللاحقة إلى نقد ذاتي، شَخّصتْ فيه قصورها،بعض الأطاريح الأكاديمية في السياق، والتي درست نصوصا ًنقدية مما كتبته أنا وتَوصلتْ إلى (النتيجة) التي أشرتَ أنت إليها بدقة، ومنها أطروحة في (نقد النقد المسرحي) للدكتور (محمد أبو خضير) وأطروحة (النقد المسرحي في العراق) للدكتور(ضياء الثامري) وكذلك في تحليل أكاديمي للدكتور(عبد الفتاح عبد الأمير) تناول فيه دراسة مقارنة بين نصوص النقد لناقدين هما الأستاذة الناقدة (نازك الاعرجي) و(حميد مجيد مال لله) .
*في كتاباتك الراهنة تعتمد آليات أسلوبية حداثوية على عروض لهواة ، جلّهم من الطلبة، وهذه مفارقة إجرائية، بالنظر لتدني المواهب وقلة خبرتها وفقر الإمكانات. وتلك العروض أساساً تندرج ضمن الاستحقاقات الدراسية ولا يمكن عدها عروضاً متكاملة!؟.
- أنا مخير بين الخوض والتجاهل لعروض ما بعد التغيير العاصف ، النتاج المسرحي جزرات ضئيلة وسط فضاء محدب، والكلام عن المسرح في مدينتنا تشكيلات تنتج مرة ومرتين ثم تصمت!؟ العاملون فيها من خريجي معاهد وكليات الفن ومن الهواة، عاطلون عن العمل غالباً وعن التدريب!؟ وفي حالة انقطاع تام عن مستجدات التحديث المسرحي مع نقص مريع في الثقافة العامة والفنية والمنهج، إلا أن فضيلتهم الكبرى أنهم يجاهدون لإثبات وجود مسرحي مغيّب في فوضى حياة الآن وسطوة الاحتلال البغيضة مع انكفاء (رجوعي )-التعبير للراحل (د. مصطفى جواد)- يعمل على إزاحة ووأد(الفن ومنه المسرح) أو تدجينه في اطر الجمود والتحجر!؟ أرى في نتاجات هؤلاء الفتية ما رأيتَه في سؤالك ، إلا أن جهدهم بحاجة الى ضوء من نوع ما.أما تشخيصك للأدوات النقدية فلقد حاولت الى جانب الكتابة عن الشباب المسرحي و نتاجاتهم, والاشتغال على (المسرح العراقي) في محاولات تطبيقية ضمن أوراق نشرتها في صفحات ثقافية مسرحية في صحف المدى وطريق الشعب والصباح والاتحاد والمنارة والأخبار، منها ما يتعلق بمسرح الصورة والكيروغراف والعلامات الإخراجية ومسرح الطفل والأداء ونص النقد المسرحي.
الكاتب حاوره: جاسم العايف
منقول