بريطانيا هي أول من دشن خدمة البث التلفزيوني عام 1936، من خلال هيئة الإذاعة البريطانية BBC، وفي عام 1935 عرف الألمان خدمة الإرسال التلفزيوني، أما فرنسا فقد دشنت أول إرسال تلفزيوني من برج ايفل عام 1939، فيما انطلق البث التلفزيوني في موسكو عام 1939 أيضا، حيث وظف السوفييت ريادتهم في مجال الفضاء بالإرسال عبر الأقمار الاصطناعية، وفي اليابان، يعود تاريخ البث التلفزيوني إلى العام نفسه 1939، بينما تعدّ حقبة الخمسينات هي العصر الذهبي للتلفزيون في امريكا وسط منافسة حامية ما بين شركات التلفزة NBC وCBS وABC وتم توظيف التلفزيون سياسيا حينما غطت شركة CBS حملات الانتخابات الرئاسية لعام 1952، وكان للتلفزيون لاحقا دوره في ترجيح كفة جون كنيدي على منافسه ريتشارد نيكسون، أما الصين فلم يدخلها التلفزيون إلا عام 1958 وبمساعدة تقنية من الاتحاد السوفييتي، فيما بدأت الهند في أيلول 1959 بثها التلفزيوني لمدة ساعة واحدة مرتين بالأسبوع.
أما عربيا فمن العراق بدأ أول إرسال باللغة العربية في العالم وذلك في صيف 1957، وللحقيقة فقد بدأت القصة قبل ذلك بعام حين حضرت شركة (باي) البريطانية في معرض تجاري للأجهزة الالكترونية ببغداد، وصادف أن بين معروضاتها مرسلة للبث التلفزيوني باللونين الأبيض والأسود مع استوديو صغير مجهز بلوازم التصوير وعدد من أجهزة التلفاز التي شدت انتباه البغاددة واصابتهم بالدهشة كونهم لم يروها أو يسمعوا بها من قبل، وبعد انتهاء المعرض أهدت الشركة تلك المعروضات إلى الحكومة العراقية، واقتصر البث حينها على العاصمة ثم ـ اواخر الستينات ـ شمل البصرة والموصل وكركوك، ليبدأ في العام 1976 أول إرسال عراقي ملون.
وللحقيقة أيضا، فثمة ثلاث مثالب تحسب على هذه القناة، اذ هي التي عرضت صباح 9 شباط 1963 أفلام كارتون "بباي" فيما كان الزعيم عبد الكريم قاسم يعدم مع صحبه الأماجد في استوديوهاتها، ومرة ثانية تعود هذه القناة وتعرض صباح 25 شباط 2011 أفلام الكارتون وهذه المرة "توم اند جيري" فيما الناس تحتشد في ساحة التحرير وميادين غرّ أخرى للمطالبة باصلاح النظام وتوفير الامن والامان والعمل والبطاقة التموينية والحريات، ويبدو أن هنالك علاقة ديالكتيكية بين الحكومات وبين أفلام الكارتون.
وثالثة الاثافي، حدثت في انتخابات نيسان 2014، اذ قامت القناة العريقة بالتغطية على حفل اعلان قائمة (التحالف المدني الديمقراطي) وليس تغطية الحفل، لانها كما قال مسؤولوها: "لا تنقل هكذا احتفاليات"، ثم قامت بالنشر اليومي (الدعائي الترويجي) لتوزيع الاراضي والعرصات والشقق وتمليك الدور والبيوت، واستمر النشر الاغرائي حتى في يوم الصمت الاعلامي. والغريب أن هذه الاعلانات رفعت ـ بقدرة حكومية ـ بعد الانتخابات بساعات، ليدور علينا ـ ونحن في المقهى نتابع شاشة (العراقية) ـ تايتل يقول: الحكومة تطلب المواطنين مليار ونصف مليار دولار ديونا متراكمة عن تجهيزها لهم بالكهرباء لمدة ثماني سنوات.
وهنا انتفض "بهلول" مدردما، وقف ماسحا بيده دمعة ساخنة طفرت من عينه، أرعد وأزبد وصاح، ولكني لم أفهم منه سوى قوله وهو يخاطب الشاشة:
ـ عمي ما تطلبونه، ومحد يطلبنه، وعدنه مليون شاهد، ذوله أهل المولدات كلهم شهودنه، وصدك من كال الشاعر:
مگرود يبقه ابن الوطن
حسباله حسباته انتهن
يعتقد زردومه اندهن
ما يدري بس هالضوگه .. وعند الحكومة البوگه.
مقالات اخرى للكاتب