مقدمة التلميذ المعجب بالمدير عبد العزيز: مازال الطفل يقول ويردد، أن ماتعلّمه في ثانوية بوقرة، لايقل عن ماتعلّمه في الجامعة، وأن سلوكه اليومي، هو إمتداد لسلوكه، حين كان طالبا في صفوف الثانوية. ومازال يفتخر بين الأقران، أن فضل أساتذة ثانوية بوقرة ، كبير لايمحوه الزمن، بل تقرّه الأيام والعقود. وكانت سنوات الثانوية، أعزّ الأيام التي قضاها الطالب، وأحسنها .
ساحة عبد العزيز: الآن أدركت أنها ساحة الثانوية هي ساحة المدير عبد العزيز، لأنك لاترى غيره، ولا تسمع سواه، رغم المئات من التلاميذ، والعشرات من الأساتذة ..
الساعة الثامنة صباحا، يصطف الجميع من طلبة وأساتذة، يتقدمهم المدير عبد العزيز، الذي رزق طول القامة، وبسطة في الجسم، وهيبة تظل ترافق الطفل طيلة دراسته بالثانوية. وعلم وثقافة، يشهد لها السامع، ومن كان في مستواه.
يقف كالطود العظيم في مدخل الثانوية، والويل لمن جاء متأخرا، فقد ترديه كلمة أرضا، أو تسقطه صفعة.
بعد أن يرن جرس الثامنة، تصطف جميع الأقسام في المكان المخصص لها، ويستوي كل طالب وراء زميله في صفين متوازيين. وكل أستاذ يقف مقابل تلامذته. ويسكت الجميع، ويسود صمت رهيب، ويتوقف الجميع عن الحركة، وكأن على رؤوسهم الطير.
وفي خضم هذا الانضباط الفريد، يقف المدير عبد العزيز، وهو يرتدي البرنوس، الذي زاده هيبة وجمالا.
وبعد أن يصطف الجميع، وكل يأخذ مكانه، يأمر المدير - نعم يأمر المدير- كل أستاذ أن يرافق تلامذته إلى القسم، فيمتثل الأستاذ لأوامر مديره، ويرافق تلامذته، بصمت عجيب، ونظام فريد، وانضباط لامثيل له. فلا تسمع صوتا، ولا ترى حركة غريبة، ولا سلوكا يدل على طيش مراهق، رغم السن وكثرة العدد.
تعامله الرقيق مع التلاميذ: كان في كل اختبار، يتفقد الأقسام، ويسأل التلاميذ عن محتوى السؤال، والصعوبات التي تلاقيهم. وكان يناقش الأستاذ في موضوع أسئلته، وبما أنه كان بارعا في العلوم الإنسانية والأدبية والتاريخية والدينية، ويتقن الفرنسية جيدا، فقد كان يناقش أساتذتها باستمرار ويدلي بالنصيحة، حين يستوجب المقام، ويؤنب البعض، حين يلمس منهم الضعف والكسل.
لم يكن أحد يتدخل في وظيفته، ولم يكن عرضة لضغط أحد، فلا يجرؤ أيّ كان أن يملي عليه، مما هو من صلب وظيفته وآداءه.
كان من حين لآخر، حين يعلم أن قسما معينا دون أستاذ، بسبب طارئ كغياب أستاذ المادة، يتجه إليهم، ويجلس معه، فيقدم لهم النصائح الغالية، والإرشادات العالية، ويحل لهم بعض مشاكلهم مع المادة، أوالأستاذ، ويستمع لذوي الحاجة، فيلبي بعض حاجاتهم. وفي دقائق معدودات، تتحول الخشية والرهبة من المدير، إلى حنين وحب، يتمنى كل طالب، لو دامت الجلسة أمدا بعيدا.
وكان يخص الأقسام النهائية، المقبلة على شهادة البكالوريا، وقتا معينا، للجلوس معهم، والاستماع لمخاوفهم، ويقدم لهم أغلى النصائح للنجاح في البكالوريا. وكانت تلك الجلسات، دافعا نحو التألق والنجاح، مازال الطفل يلمس آثارها، ويشكر صاحبها المدير، ويرجو له السداد والتوفيق.
لغة البرنوس الجزائري من خلال برنوس عبد العزيز : البرنوس في الموروث الثقافي الجزائري، يعبّر عن الحشمة والوقار، فقد قرأت منذ عام في كتب الفقه المالكي، أنه يستحب في حق الإمام ، أن يرتدي البرنوس فوق العباءة، ضمانا للسترة.
ويعبّر كذلك عن الرجولة والمروءة. فلا تكاد صور القادة والعظماء، إلا وهم يرتدون بالبرنوس.
والبرنوس ، يعتبر أعظم هدية تقدم، وتعرف منزلة الضيف ومكانة الحبيب، من خلال البرنوس الذي يناله، والنوعية الجيدة العالية، التي تقدم له. ويكفي البرنوس فخرا، أنه هدية الملوك والرؤساء.
مازال الطفل يعشق البرنوس، لأن صورة المدير عبد العزيز، وهو يرتديه ويتبختر بين الصفوف، بقامته الفارهة، وكتفيه العريضتين، ماثلة أمامه، بعد مرور 32 سنة، على تلك الأيام الخالدة.
لحظة استلام شهادة البكالوريا : من اللحظات التي مازال يتذكرها التلميذ بشوق وحنان، تلك الدقائق الخالدة، التي اتّجهنا فيها لثانوية بوقرة ، نحن معشر الناجحين في شهادة البكالوريا، لاستلام شهادة البكالوريا سنة 1986.
ومازال التلميذ يفتخر بتلك الجلسة، لأنه استلم شهادة البكالوريا، من يد مديره عبد العزيز. وهذا فخر لايقل فخرا وأهمية عن النجاح بحد ذاته. بل إن استقبال المدير شخصيا لتلامذته، حافز على المضي نحو السؤدد والعلا.
ماتعلمه التلميذ من مديره عبد العزيز: تعلم التلميذ، وهو في عز المراهقة، حيث الطيش والجنون، وخلال السنوات التي قضاها، مع المدير عبد العزيز، لثانوية بوقرة .. إحترام الوقت، رغم انعدام الوسيلة. والانضباط في القول والملبس والأفعال، والسماع للأستاذ والإنصات له، والاحتفاظ بالفضائل التي نقلها عن أساتذته ومديره.
مقالات اخرى للكاتب