الهامور سمكة تعيش في الخليج العربي والبحر الأحمر. ومما يعرف عنها أنها شرهة للغاية، يمكن أن تأكل يومياً ما يزيد عن نصف وزنها الذي يصل حتى إلى 50 كيلوغراماً، وهذا ما جعل الإعلام وعموم الناس في الخليج يكنّون الشركات الكبرى الاحتكارية ورجال المال والأعمال الكبار بـ"الهوامير".
نحن جزئياً بلد خليجي، لذا لم يحظ سمك الهامور ذو الطعم اللذيذ والمفيد صحياً بالمعرفة والشعبية سوى في البصرة، لكن الله "عوّضنا" في ما يبدو بهوامير الفساد المالي والإداري الذين "يلعبون لعب" بالمليارات المُقتطعة من موازنات مشاريع الكهرباء والماء والصحة والمجاري والتعليم والنظافة والصناعة والزراعة والري والثقافة، مثلما "عوّضنا" بهوامير السياسة والسلطة، شركاء هوامير الفساد وحُماتهم، والذين لا حدود لشراهتهم، فهم لا يقنعون بالمواقع المتنفذة في الحكومة والبرلمان والسطوة على القضاء، وانما يريدون الاستحواذ على الجمل وما حمل.
بحجة الخلافات القائمة على التعديلات المقترحة لقانون الانتخابات البرلمانية، اقترح أحد الهوامير، هو ائتلاف دولة القانون، العودة الى القانون السابق الذي جرت وفقاً له انتخابات 2010، أي الى القانون المخالف لمبادئ واحكام الدستور، كما بيّن حكم المحكمة الاتحادية بعد الانتخابات.. الهامور الدولة قانوني لا يجد غضاضة في العودة الى قانون مخالف للدستور، ولا غرابة في هذا فحكومة دولة القانون تخرق الدستور جهاراً نهاراً كل يوم تقريباً، وهي لا تهتم الا بالتجديد لنفسها ولرئيسها على رأس الدولة، فهوامير السياسة والسلطة والفساد المالي والاداري لا تكفيها ثماني سنوات في الحكم ولا عشرات مليارات الدولارات المنهوبة.
قانون انتخابات 2010 سقط بكليته اثر حكم المحكمة الاتحادية وتعديله في انتخابات مجالس المحافظات، والمفروض أن يُسنّ الآن قانون انتخابي جديد يتجاوز تماماً قانون 2010 بكل مساوئه، ويتقدم على قانون انتخابات المحافظات.
ائتلاف دولة القانون مُني بخسارة موجعة في انتخابات المحافظات الأخيرة، وهروباً الى الامام قال ان اعتماد نظام سانت ليغو يقف وراء هذه الخسارة، متغافلاً عن فشل حكومته على مدى السنوات الثلاث الماضية.
بوصفه الهيئة التي تمثل الشعب على رأس الدولة، من المفروض أن يشرّع مجلس النواب قانوناً يضمن لأكبر عدد من الناخبين المشاركة في العملية الانتخابية ترسيخاً للتجربة الديمقراطية الجديدة، فبين انتخابات 2010 وانتخابات المحافظات هذا العام تراجع كثيراً إقبال الناس على صناديق الاقتراع وبخاصة في العاصمة بغداد التي بلغت فيها نسبة المقاطعة 70 في المئة.. ليس لهذا سوى معنى واحد هو تراجع الثقة بالعملية الانتخابية وبالعملية السياسية برمتها، والسبب أن السنوات الماضية أظهرت ان هوامير السياسة والفساد والمال والاعمال لدينا لا حدود لشراهتهم، وان الشعب أصبح في وضع يستطيع ان يقول: لا، لهؤلاء الهوامير.
القانون الذي يتطلع اليه الشعب هو الذي يجعل من البلاد دائرة انتخابية واحدة مثلاً، ويمنع أي تلاعب في إرادة الناخبين من قبيل المقاعد التعويضية وسواها مما يصح فيها القول: وهب ما لا يملك لمن لا يستحق، فالمالك هو الشعب وليس زعماء الكتل والائتلافات، ومن يستحق هو الذي يصوت له الناخبون بالأكثرية.
بعض الهوامير الكبيرة قد يغريه اقتراح دولة القانون بالعودة إلى القانون المحكوم بمخالفة الدستور. واذا ما تحقق لدولة القانون وسائر الهوامير ما تريد، أو جرى تشريع قانون الانتخابات بصيغة أسوأ من صيغة قانون انتخابات المحافظات فان الناخبين سيقولون مرة أخرى: لا.. لكنها ستكون أكبر وأقوى هذه المرة.. تأكدوا.
مقالات اخرى للكاتب