كثيرة هي الأحلام وكثيرة هي التطلعات، لكن قد لا نراها أو قد لا نطالها وقد تتحقق أو لا تتحقق عندما نلمحها في الأفق أما تلوحّ قادمةٍ أو مُفارقةٍ، كون ليس كل ما في هذه الحياة عندما نتمناه ننالهُ وعندما نبحث عنهُ نجدهُ وعندما نلمحهُ نراهُ. هي تبقى أحلام وتمنيات نسبية تعتمد على مدىّ سعيّ الإنسان إليها سعيًا جهيدًا بدون عقبات، مع أنهُ لا ننسىّ بأن هنالك البعض من التطلعات تغرب بسبب آخرين كانوا السبب في قتلها، ولم يبقى منها سوىّ رماد الذكرى أو البكاء على الأطلال منها!
الزمن لا يترك حال على حال، زمنًا في وقت ما خطف الأحبة ولم يترك غير قلب شجون وذكرى تهتف من أجلهم! نعم تلك الذكرى التي تسكننْا والتي نتطلع إليها ونأمل منها الكثير، والتي بقدر ما كانت جميلة بذات القدر هي مؤلمة وقاسية، كون من كان فيها لم يعد لهم وجود، لم يعدّ لهم حضور، لم يعدّ لخطواتهم صوت مسموع. ذلك الوجود الذي كان عندما نغمض العين عليه في حاضرنا، نتذكر أحلى أيام وأجمل أشياء وأعذب أحاديث وأروع ابتسامات وأصدق أوقات ... كنْا نظن أنهم باقين ولكن تطلعاتنا وتوقعاتنا وآمالنا كانت خاطئة ولم يبقى منهم سوى الوحشة وألم ذكريات تدق ناقوسها ما بين أنين وحنين وما بين دمعة وابتسامة وما بين همسة وضحكة! ذكريات تبقى ترنّ في الأعماق وتستمر في الحياة ويكون لها حضورها الدائم رغم كل شيءٍ.
نتطلع ونمدّ بنظرنا للبعيد فيتملكنا السكون ويأخذنا الصدى الساكن في داخلنا لشخص أو لشيءٍ كنا نتمنى أن يكون في واقعنا لكن لا يكون، فنبدأ نحلم ونتتطلع ونلمْلمّ النفس من البعثرة القادمة من الحزن والألم ومن أشد لحظات الحاجة إلى من مروا على البال، ونحاول أن نعيش الحياة قدر المستطاع ونسايرها بكل ما فيها، لكن ليس بوسعنا وليس بمقدرنا الانفكاك عنها! أنها تكون بين جدران جسدنا باقية لا تأبه المسير والانفكاك. ربما نحن من يكون السبب ولا نطلقها لكي تذهب أدراجها بل نكبلها ونقيدها ونسكنها فينا، علْ البعض منها يُعطي الأمل والآمال للقادم المُنتظر بكل لهفةٍ، ولكن بدون جدوىّ تأتي سنين وتذهب أخرى وما بين القدوم والرحيل لا تحمل شيءٍ فيها، مثلما تحل فارغة هكذا ترحل فارغة! والذكرى هي من تقتات على النفس وتحفر لها فيها مكان تبقى!
تبقى الحياة تأتينا بمختلف مواسمها، والماضي يأخذ ما يريد ويمضي ويترك في الداخل ما يصعب الخلاص منهُ! ونحن لا نملك أن نغيرهُ لكن لنا لحظتنا في حاضرنا، فلما نؤلم نفسنا ونتحسر على شيءٍ ليس بيدنا أن نغيرهُ ... لا أعلم ؟! ومن يبصر لكل ما يحصل في الحياة يجدها أقصر مما يتصور! فلما يعيشها البعض في ضياع ولما يضيعها من خلال العيش في الانغلاق والانطواء على النفس وحبسها ضمن حدودها الضيقة؟!
وأقول: إن ضاقت لا تحزن ولا تفكر كثيرًا بدون جدوى بلْ وجه نظرك للسماء حيث السحاب السابح في الفضاء الواسع ولا تنظر للتراب موضع قدميك ومدى محدوديته، أحلم وجددّ الأحلام وأجعلها بإرادتك القوية وبعزيمتك تكون في واقعك، فلا مستحيل قادر على الصمود مُطولاً، أنها قوة ثباتك على الشيء والوصول إليهِ والوقوف عليه على الرغم من كل ما يمكنهُ أن يصادفك في حياتك. وأقول كذلك: استمع إلى نفسك أكثر مما تستمع لمْا حولك ولغيرك وأجعل نفسك جوهرة تبرق لتبهّر عين الناظر، فالحياة لحظة يشرق نورها في آخر النفق، فأمشي إليها حتى وإن صادفتك بعض الأشواك في الطريق، المهم أن تحاول وتصل لاحقا وتعيش لتستمر.