عندما نتحدث عن المسيرات المليونية لزوار "الحسين" عليه السلام سبط رسول الله "محمد" ، صل الله عليه وعلى اله وسلم، نجد ان عددهم في العام الماضي وصل الى "عشرين مليون"،اي ما تعادل "خمس مرات" لعدد لحجاج بيت الله الحرام، الذين يؤدون فريضة الحج الواجب، فهو ليس بالعدد الذي يستهان به ليتخطاه الاعلام العربي والعالمي، حيث يتوجه جمع من "الشيعة" بكل الاعمار، ومن كلا الجنسين، ليلتحق بهم عديد آخر من اتباع المذاهب, والديانات, والقوميات, الاخرى، لأكثر من "اربعين دولة"، يسيرون نحو كربلاء حيث مكان قبره الشريف، وذلك بعد مرور "اربعين" يوم على مقتله هو وابنائه وسبي عائلته، من قبل يزيد ابن معاوية.
إلا إن هذا الامر يثير حفيظة الكثير من الدول وعلى رأسها الدول "العربية و "اسرائيل" لأنهم على يقين بإمكانية تغيير مسار تلك الجموع المليونية بأي اتجاه، ليكونوا خطراً يهدد امنهم، مستندين الى فتوى المرجعية التي صدرت في سنة -٢٠١٤- للوقوف بوجه "داعش الارهابي"، وحسب علمهم أن تلك الجموع لا يمكن ان يعيق مسيرها اي عائق، مثل: الظروف المناخية, أو اي متطلبات اخرى كالأكل, والشرب, او السكن, فهي لا تبالى بهذه الاشياء لإيمانها المطلق بتلك القضية، والتي يعتبرونها قضيتهم، ولا يمكنهم التنازل عنها.
ويتفاخر الفقراء ومتوسطي الدخل فيما بينهم، إنهم ينفقون على تلك الجموع المليونية! فيكون جل اهتمامهم بكل ما يؤمن سلامة الزائرين, واحتياجاتهم, مع أن الملايين من الزائرين يعرضون حياتهم للمخاطر، قاطعين مئات الأميال نحو مدينة كربلاء، رغم الحوادث الارهابية التي يتعرضون لها خلال الزيارة تلك.
فإذا أردت أن تتعرف على الإسلام الحقيقي، فعليك مرافقتهم بزيارة الأربعين، فإنها مهرجان المثل والقيم العليا التي جاء بها النبي "محمد" صلوات الله وسلامه عليه، فهم يشعرونك بالأمان, والطمأنينة, ونبل الاخلاق، خلافاً لما يقوم به شرذمة التكفيريين الذين يمثلون أولئك الذين قتلوا الحسين في عاشوراء.
بإمكان الباحث أن يجد هناك فرق واضح، بين من أقام سرادق لمظاهرات ضد الحكومة، ملأها بالإرهابيين ، أدت ضياع ثلث البلد، والى من اقام سرادق اعدت لخدمة الزائرين، ملأها بالنازحين، من المحافظات السنية والتي لطالما اتهمت الشيعة بالطائفية، فتميزوا بكرم قل نظيره في العالم، بتوفير كل احتياجات أولئك النازحين, والمشاة الزائرين, بالإضافة الى دعم الحشد الشعبي الذي يقاتل بالنيابة عنهم، الذي استلهم تلك الدروس والمثل العليا، من تلك المسيرات المليونية، وفاءً "للحسين" "عليه السلام" الخالد في نفوسهم، فكانت لهم قصصاً من الايثار, والفداء, والصبر, والتحمل, والعطاء, وكل مفردات الخلق الرفيع، لتجسد الملاحم البطولية, والولاء الحقيقي, من خلال شعيرة زيارة الأربعين، التي كانت ولا زالت، أعظم ملحمة إنسانية في التاريخ.
مقالات اخرى للكاتب