يوم من حياتي لا زلت اتذكره جيدا وكأنه حدث بالأمس فقط, ورغم مرور أكثر من عشرون عاماً على هذه الحادثة إلا أنني تذكرته اليوم, وسأخبركم فيما بعد لماذا تذكرته اليوم تحديدا.
باختصار شديد كنت طالبا في المرحلة المتوسطة, عندما كنت أحب مُدَرِستي لدرجة أني كتبت لها في ورقة الإمتحان وبطريقة المتردد الخائف (أحبك).. وبعد مرور اسبوعين على هذه الحادثة وفي أثناء درس اللغة العربية فاجئني أحد الطلاب يدخل الى قاعة الدرس ليخبر مدرس اللغة العربية بأني مطلوب لدى مُدرسة الأحياء الست (...) , عندها تذكرت جريمتي وأحسست بدوار شديد وتمنيت لو ابتلعني الأرض, حتى أنني فكرت بالهروب من المدرسة دون رجعة !
لكن أين المفر, دخلت القاعة التي تنتظرني فيها مُدرستي, وكانت قاعة واسعة جدا وخالية تماماً, زعندما دخولي القاعة كانت تبدو غاضبة أو ربما تمثّل دور الغضب الذي طالما كانت تمثله علينا, لكنها لا تجيد هذا الدور كباقي المدرسين , وربما كان هذا أحد اسباب تعلقي بها.
المهم, كنت أنظر أليها وهي تبحث وسط رزمة من الأوراق عن ورقة واحدة ولم يكن يلزمني الكثير من الذكاء كي اعرف بأنها ورقة تهمتي ونهايتي التي الله وحده يعلم كيف الخلاص منها.
وما أن امسكت بالورقة وسحبتها من بين عشرات الأوراق وكأنها انتزعت روحي حتى فاجأني طلبها وهي تضع أصبعها على الكلمة التي كتبتها لها , قالت:
ــ أقرأ ما كتبت لو كنت رجلا .
لو أكن حينها سوى عاشق مجرد من كل شيء, مجرد من كل الممكنات والمحسوسات البشرية, قلت لها وكان من نطق هي روحي ولست انا:
أحبك لكنني لست رجلا.
قالت: ومن تكون؟
قلت: أنا كائن ربما حيّ, يحبك وليس بالضرورة أن أكون رجلا كي اعشق امرأة مثلك.
كانت هي جالسة وأنا أقف بجانبها وكلما نظرت إلى عينيها أرى ما لا يصدق, كوكب أبيض أو شيء آخر أكثر بهاء جمالا.
وأثناء سيري نائما في عالمها المرمري أيقظني كلامها.قالت:
لولا أنني اعرف أنك أنسان مؤدب وأنك من طلابي الخلوقين لكنت شكوتك إلى الإدارة وتم فصلك فورا من المدرسة فلا تتحدث في هذا الامر وكأن شيئا لم يكن , إذهب إلى درسك.
وانتهى حديثها بخروجي من القاعة مسرنما لا أدري أين وجهتي, لم أشعر إلا وانا اخترق ممرات المدرسة لأجد نفسي خارجها أعبر الشارع دون وعي او ادنى احتراس من السيارات التي كانت تزمر لي مع شتائم لم أسمع بها من قبل !
وجدت نفسي في بيت صديق لي وكان يعلم بحكايتي مع هذه المُدرسة طلبت منه أن يساعدني في البحث عن مَدْرسة أنتقل إليها لأنني لا يمكن أن أرى هذه المرأة مرة أخرى, وفعلا حاولنا, ولم نترك مدرسة لم نرتمي على اقدام مديرها كي يعطيني ورقة القبول, لكن دون جدوى بسبب أننا كنا في منتصف السنة الدراسية والنقل من مدرسة لأخرى امر أشبه بالمستحيل.
عدت إلى مَدْرستي ومُدَرستي أحمل جبالا من مشاعر اليأس والحب والحماقة.
بعد هذه الحادثة كنت أرفض ولا ادخل درس (الأحياء) وعندما اضطررت أخيرا لحضور الدرس كانت هي من تبادرني بالنظرات وكانت تشاكسني, واستمر الحال على هذا النحو حتى تخرجت من المدرسة, وبعدها كنت اقوم بجولات تلصصية لأراها, كنت أتسوّر جدار المدرسة, وكان بعض المدرسين يعرف سبب حضوري ومنعوني بالتهديد ان لا الحضر للمدرسة مرة اخرى فحرموني منها وللأبد.
تذكرت هذه الحادثة بسبب أنني اعيش نفس التجربة اليوم, وربما اعنف بكثير, لم أعرف الحب في حياتي سوى مرتين, مرة كادت تودي بمستقبلي والأخرى أظنها ستودي بحياتي.
المرأة التي اعشقها اليوم لو قرأت هذه الأسطر والمغامرات العشقية الطفولية أول ما ستقوله لي (متعويييده ديييييماً)!