* ... وخلّها حرة تأتي بما تلدُ
على مدى اكثر من خمسة عقود، شيئ لي، قدراً وطواعية، وما بينهما، ان اكون في خضم عوالم ومسارات عامة، ابتدأت واستمرت، وما برحت، ولا بدّ ان لها حدوداً، وسواء طالت ام قصرت، يد الاعمار!
والسيرة والذكريات كما أعي، محطات وتوثيق، وسجل تاريخي، مضئ تارة، ومعتم في اخرى، وضبابي بين تلك وهذه... وعادة ما ينحاز المعنيون- وان لم يتقصدوا- وفي ميلٍ تلقائي لتسجيل وابراز ما هو مشرق منها بحسب رؤاهم، وان زينوا بعضها بعسل الكلام والسرد، او تناسوا بحجة النسيان... ولربما عمدوا ايضا الى هذه الحجة او تلك، احترازا من ان تُمسك عليهم هفوة هنا، اوكبوة هناك، او حتى شبهات او وقائع "تزييف" في بعض الحالات!
وأزعم ان الولع الاشد عندي في حب القراءة، وسأقول الداء العصي ولن أخاف، هو متابعة كتب واصدارات الذكريات والمذكرات، والتوثيــــق، والسير الذاتية، وما اليها. وفي جميعها، وعلى ما ازعــم ثانية: ثمة اختيارات تُستل، وافتعالات تهذب، وادعاءات باطنــــة او ظاهرة، ينتبه اليها المتلقي المتابع، بل ويصطــدم بها دون كثير عناء.... دعـــوا عنكم اولئك الذين لا قربى لنا، او تقارب، معهــم، ممن يدلسون ويحرفون، "ملثمين" كانوا ام "عراة".
... وهكذا اذن، تعمدت ان ابتدأ بهذه السطور، لكي احترز بدوري، جهد ما استطيع، لانطلق بتوثيق جديد، وأعني به "على ضفاف السيرة و الذكريات" ليسعى فيجمـــع بيـــن شأني الخاص والعام، وكلاهما متشابكان، بل يكادان ان يتلاصقا، او هكذا أُريد لهما ان يكونا.... فكيف يا ترى ستشيـــع كتابة تلكم "الضفاف" ايها الرجل، وهل ستخاف وقد راحت ستون عاماً "كخيلِ السبقِ تطّردُ"؟ .. أم ستدعها "حرةً تأتي بما تلدُ" ؟؟!!
* لا يولدُ المرءُ لا هراً، ولا سبعاً،
لكنْ عصارة تجريـبٍ وتمريــنِ
بعد السطور الاولى، التي مهدت لهذه "الضفاف من السيرة الذكريات" ها قد حان آوان السرد والتوثيق وما بينهما، وستُحار – ايها الرجل- من اين يكون البدء، والى مَ ينتهي، وبمَن يمر، ويستثني، ويفيض؟!... ولأنك تريد ان تتميّز، وما بجديد عليك ذلك الطموح، فلتكتب دون تخطيط، او كثير تخوف، ولتصحح لاحقاً عند تطلب الامر، مع بعض الاعتذار!!!
وكما هو الحال عند السابقين، وعند اللاحقين ايضا كما تتصور، فعليك - ايها الرجل- أن تكتب عن النشأة والانتساب والحسب، والنسبِ. وتباهَ ولا تخف، فما انتَ طالبٌ مالاً، لانك "هنالك تاركٌ مالاً، وآلا"... اذن فلتقل ان السيد جواد بن السيد ابراهيم، بن السيد علي.... العريضي الجصاني، هو الوالد، الوديع، الاديب، المولود في النجف، لأسرة فقه وعلم ودين، ثلاثة ارباعها تلف العمائم السوداء هاماتهم، وقد توفي في العاصمة السعودية، الرياض، بعد ان تغرب اليها اضطرارا، هضيمةً من اعتقال وعسف في عهد نظام البعث الاول، الاسود، في العراق عام 1963... وتوقفْ هنا – ايها الرجل الموثق- ولا تسترسلُ، ولا تنسَ ان ما تكتبه ليس سوى"ضفافٍ" وحسب، لسيرة وذكريات.
ولكن، ترى أيجوز ان لا تكتب عن الأم "نبيهة" ؟ وهل تقدر ألاّ تقول بانها بقيت طوال عمرها ذي الخمسة والسبعيـــــن عاماً، متميـــزة لاكثر من سبب وبأكثــر من حال، ويكفي - ربما – لانها الشقيقة الوحيدة للجواهري العظيم، ومدللته، في اسرة فيها اربعة اخوة، استشهد اصغرهم – جعفر- في وثبة كانون عام 1948 ... وتأنّ - ايها الرجل- ولا تكرر ما هو معروف عن تاريخ الاسرة الجواهرية، ولكن استدرك وقل لمن يريد الاستفاضة، فضولاً او محبة: ان في جحفل شعر الجواهري، العامر، ثمة اكثر من توثيق شعري، عن اخته، الحبيبة، التي بقي يناجيها "في تلك الدواوينِ" كما قال، وحتى رحيلها، فودعها بابيات مؤثرة، قلّ ان كتبَ مثلها من صميم قلبه ..
والآن، هل من المفيد ان توثق، في باب النشأة والطفولة من "ضفاف الذكريات" فتورد: عاش للسيد جواد، وزوجته نبيهة، ستة ابناء، انتَ احدهم؟.. وما الذي يهم القارئ ان كتبت، ام لم تكتب، بانك الاصغر بينهم، وانك " الـ....." مثلاً؟! .... ثم تمهل ولا تزدْ، وتذكر ان خير الامور ما قلّ ودلّ، فلا احد – وقلْ "ربما" من جديد، وكم تحب هذه اللازمة؟- له نفسٌ ووقت لتفاصيل مملة، وما عليك – ايها الرجل- سوى ان تنتقل لمحور او باب اخر، ودع الناس يستريحون ....
ولكن، استمحْ القراء برهة اخرى، واضف بعض محطات مختارة، لا لانها "مهمة" بل علّها تفيد في تبيان جوانب من جذور السيرة اللاحقة لكَ، ولضفاف ذكرياتك.. فاكتب مثلاً ان زواج السيد جواد ( 1909-1964) من نبيهـــة (1912-1987) اثار ضجة اجتماعية شهيرة، في اواسط الثلاثينات الماضية، وكادت الحال ان تتفجر، لولا ان يقوم الجواهري، شقيق العروس، بـ"تهريب" الزوجين فجر يوم، وذلك من النجف الى "الرستمية" قرب بغداد، تداركاً واحترازاً من قتلٍ ودماء. ومرة اخرى، أحلْ المتابع الشغوف – ان وجد- ليقرأ في الجزء الاول من ذكريات الجواهري، ففيه ما فيه حول الامر ..
كما واستدركْ ايضا، فلربما هناك من يريد معرفة المزيد عن "السيد" الوالد، فضفْ: انه عصامي، ديمقراطي الهوى ولم يتحزب، له اشعار اخوانية، ضليع في الرياضيات، تسنم مواقع تربوية عديدة، ومن اهمها: مدير معارف لعدة محافظات عراقية، كانت تسمى "الوية" في حينها، ومن بينها "البصــرة" و"بعقوبــة".. وكذلك "الكوت" التي كانت من نصيبك- ايها الرجل الموثق- حين ولدت فيها بتاريخ 1949.11.24 .
اما عن الاخوة الخمسة، فدع التفاصيل عنهم الى" الذكريات" وليس ضفافها، وقدم لذلك من الان: انهم متنوعو الاهتمامات، والرؤى، ومتميزون ايضا، اخذوا من اعمامهم واخوالهم، مع التنويه الى ان بعض ذلك "التميـز" كان استثنائياً في عديد من الاحيان، شؤوناً وشجونا !!! ------------------------------ يتبع
مقالات اخرى للكاتب