ترجمة - العراق تايمز
هو مشروع أدبي ،ثقافي ،اجتماعي ،لكاتبته "أوريت باشكين" ،تحدثت فيه عن الحقبة التاريخية للتواجد اليهودي في العراق، باعتبار اليهود عنصرا نشطا وحيا في الواقع العراقي، حيث قالت صاحبة الكتاب انهم لعبوا دورا مهما في بناء الثقافة العراقية ما بين الحربين العالميتين وبدوا متحمسين مع التطورات الادبية والثقافية الجديدة في بغداد. ولفتت باشكين الرأي العام العربي والدولي ان اليهود دافعوا عن الكثير من الحلول السياسية، من أجل مواجهة مختلف الاليات الطائفية التي خلقتها بريطانيا وبعض الجماعات المختلفة داخل المجتمع العراقي، وقالت ان لا شيئ استطاع ان يمحي ذكرى العراق الشاخصة في اذهانهم اذ يعتبرون الأعلام العربية المشهورة في كل الميادين الشعر والفلسة و الأدب روادهم وقدواتهم الذين يفتخرون بهم.
اليكم تعليق الكاتبة حول هذا الكتاب خلال حوار اجري معها باللغة الانجليزية من طرف احد المواقع الادبية المعروفة وقامت العراق تايمز بترجمته للعربية .
وجدت نفسي مهتمة بهذا الشان منذ فترة المراهقة، عندما كنت اقرأ بعض الروايات التي كتبت باللغة العبرية، بواسطة كتاب عراقيين يهود، كانوا يصفون فيها تجاربهم وتفاصيل حياتهم عندما كانوا في العراق.
عندما كنت اشتغل على كتابي الأول، أجريت عدة حوارات مع يهود عراقيين، الذين تحدثوا لي عن تجاربهم مع المسلمين والمسيحيين في العراق، وعن اصدقائهم وجيرانهم من اليهود ايضا. لكن الشيئ الوحيد الذي أثارني خلال هذه اللقاءات، والحوارات التي أجريتها مع هؤلاء ، هو الذكرى التي لازلت شاخصة في اذهان اليهود العراقيين الذين يعيشون الان في اسرائيل، ومشاعرهم الوطنية اتجاه العراق، و ان حبهم و احترامهم للعراق لم يمت ابدا بعد ان ذهبوا لاسرائلي ،بل بالعكس اورثوا هذا الحب والاحترام لاولادهم و احفاذهم ولوجزئيا و ليس كليا .
لقد رايت وبغض النظر عن الوضع السياسي للمواطنين الاسرائليين ،فان ذكريات الماضي العربي لازالت حاضرة في وجدانهم ،لهذا كنت اريد ان اعرف السياق العراقي والاسباب الكفيلة التي سمح لهؤلاء اليهود العرب بالتواجد والازدهار.
هذه الذكريات "المحرمة" "من نظر البعض" تسيطر عليهم كليا كما الحال بالنسبة لـ " إيلا حبيبة شوحط" الاستاذة في جامعة نيويورك في شعبة السياسية العامة، التي لها وظائف سياسية جد مهمة. انهم يذكرونا ان الانقسامات الوطنية التي قبلناها اليوم ليست دائما صائبة ولا تشكل الحس السليم.
لقد أصبح ذلك الجيل من اليهود الذي عاش في العراق و تطبع وتشبع بالثقافة العربية - يختفي ببطئ في اسرائيل، لذلك فان الالتزام بالحفاظ على تلك الذكريات وتدوينها كان حاسما بالنسبة لي . فقط ادعوا الله ان اوفق في ذلك.
الكتاب كما اراه، يعد جزء لا يتجزا من المحاولات التي قام بها الاكاديميين الذين سبقوني في كتابة التاريخ القديم للمجتمعات العربية اليهودية ،انه يوجز الوضع الذي عاش فيه العراقيين اليهود ،ويجمل تلك القومية العربية و الوطنية العراقية التي لازالوا يحنون اليها.
ان مفهوم الاسلام باعتباره كحضارة اكثر من ما هو دين حسب ما يفسره الكثير من المسلمين الحداثيون والعرب القوميون كان بمثابة نداء لليهود العراقيين ،لذلك فان هؤلاء اليهود يرون ان المسلمين الحداثيون كابطال هذه الثقافات العربية الاسلامية ابتداءا من الشعراء كـ"علاء المعري" والفلاسفة كـ :الفرابي" بالاضافة الى الشعراء العصريون كـ"بدر شاكر السياب" و يعتبرونهم انهم جزء منهم و ينتمون اليهم.
وباطلاعي وقراءتي حول هذه الرؤى نحو القومية العراقية، تذكرت انه في سنة 1940 كان "ميشيل افلق " ينصح زملائه من القوميين العرب باعتبار أن الرسول محمد(ص) مرسول عربي اسلامي ، كانت ثقافته تهم كل العرب بكل أطيافهم.
كتبت حول تاريخ العرب اليهود لكن حاولت أيضا أن لا اتفق مع المفهوم الثنائي الذي يلصق اليهود العرب بالصهيونية، وعدم تبني هذه الفكرة، وعيله حللت بعض التجارب الحضرية للطبقات اليهودية العراقية المتعلمة وتصوراتهم نحو "العلمنة"، والاصلاح والعلاقات بين الجنسين، بالاضاغة الى الانتاج الادبي العربي لصحفيين عراقيين يهود، واوائيين وكتاب وشعراء والنظرة الراديكالية لليهود الشيوعيين العرب، وبالخصوص الجامعة الشيوعية اليهودية التي تسمى "عصبة مكافحة الصهيونية" وهذا ما يضحد علاقة اليهود العرب بالصهيونية.
ولقد أظهرت ايضا بان هذه الرؤى الايجابية اتجاه الوطنية والقومية اليهودية العراقية، تحطمت بعد الحرب على فلسطين سنة 1948 عندما تحولت حياة وممتلكات ومنازل اليهود العراقيين الى مجرد بيادق بالنسبة للصراع العربي الاسرائيلي.
لقد حاولت في كتابي الاول The Other Irak الذي يتحدث عن تاريخ الفكر العراقي، ان اظهر الرؤى الديمقراطية و لراديكالية والعلمانية للمجتمع العراقي كما كان يعبر عنها في الحياة العامة العراقية في الحقبة الملكية (1921-1958 )،و قد ساعدني في ذلك تبني افكار بعض الكتاب كـ "اسامة مقدسي" و"ماكس وايش" الذين يرون في الطائفية ظاهرة حديثة بنتها الدول العظمى القوية و لاستعمارية، وقد حاولت فتح المفاهيم الاشكالية المرتبطة بالطائفية وشرح معانيها الحديثة والاستعمارية.
لقد كان اليهود عنصرا نشطا وحيا في الواقع العراقي .لعبوا دورا مهما في بناء الثقافة العراقية ما بين الحربين العالميتين وبدوا متحمسين مع التطورات الادبية والثقافية الجديدة في بغداد. وفيما يتعلق بالطائفية احاول ان ابين بان اليهود دافعوا عن الكثير من الحلول السياسية من اجل مواجهة مختلف الاليات الطائفية التي خلقتها بريطانيا وبعض الجماعات المختلفة داخل المجتمع العراقي.
نظرا للمجهودات "الجبارة" التي بذلت في الحقبة البعثية من اجل محو الذاكرة، من تجارب اليهود العرب في العراق ، اريد من العراقيين ان يقراو هذا الكتاب و يعرفوا كل شيئ عن اليهود الذين عاشوا في العراق، الذين يعتبرون ان العراق كانت بيوم من الأيام أرضهم التي يفتخرون بها وان اللغة العربية لغتهم الأم، وبمعنى ادق اريد ان اذكرهم بتلك الحقبة من الزمن وذلك السياق المجتمعي الذي كان فيه العراقيين اليهود والعراقيين المسلمين، زملاء في العمل وجيران وأصدقاء.
ان الصراع الفلسطيني-الاسرائيلي وبين اليهود والعرب بصفة عامة استطاع ان يضع نظرتنا وفكرتنا اتجاه الماضي اليهودي العراقي في قالب معين ،علما أن ادخال يهود اسرائيل في تاريخ العرب، واللغة العربية، يستطيع ان يكون آداة مفيدة لمواجهة الاساطير الحالية حول الحقد والكراهية الأبدية المتبادلة بين اليهود و المسلمين.
لدي أمل ضئيل جدا في أن تقوم اسرائيل بشيئ لتغيير هذا الوضع، ولكن آمل أن تستطيع تلك المجموعات التي تتواجد داخل اسرائيل، من طلبة ومفكرين ويهود مشرقيين والجمعيات التي تدعو لحوار الاديان، أن يعلموا أنفسهم وأبنائهم العربية والتاريخ العربي والتاريخ العربي اليهودي بشكل مستقل عن اديولوجيات اسرائيل.
اعتقد ان هذا الكتاب يستطيع ان يكون ترياقا، لمفاهيم البلدان الغربية عن "الاسلامو فوبيا" ،ولاشك أن الكثير منا يصادف منشورات عبر الانترنت تغذي الكره والعداء المتبادل بين العرب واليهود، والعداء الكبير للاسلام . انها نتاجات لمجموعة واسعة من المنظمات التي تفضل الحديث عن التقاليد المسحية اليهودية وتضمر التقاليد اليهودية المسلمة.
أريد ان أذكر القراء بان التسامح والتعددية، والديمقراطية ولدت في سياق الاسلام الحديث
اما فيما يتعلق بالمشاريع التي اشتغل عليها حاليا في تتعلق بالقرن التاسع عشر، والروايات التاريخية العربية ،وبصورة اعم التمثيليات اليهودية في الأعمال المتنورة للنهضة الادبية والثقافية العربية لأواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين.
لقد أظهرت دراسات حديثة ،كانت قد نشرت احدى المجلات الرئيسية العربية تتحدث عن الاضطهاد الذي عاشه اليهود في اوروبا، وذكرت المذابح والانشطة المعادية التي تعرضوا لها خصوصا في روسيا و البلقان ،هؤلاء المفكرين العرب الذي عملوا هذه الدراسات فضحوا الخطاب المزدوج الاوربي، باعتبار ان اوربا تحاول تقديم نفسها كمنارة للديمقراطية والحداثة ،و لكن في الحقيقة تعامل الاقليات بطريقة مروعة .
اعتقد ان هذا الكتاب المستقبلي له علاقة بالنظريات المرتبطة بالقومية التي تميل الى الطابع الحديث و طبيعة بناء المشروع الوطني. و أيضا ارى ان هذا العمل جزء من المجهودات التي بذلها كتاب ما بعد الاستعمار الذين يبيح امكانية تخيل شرق مستقر وغرب غارق في عالم العولمة والراسمالية ،لذلك أريد التأكيد على الحوارات المستمرة بين مختلف المراكز الثقافية في العراق والشرق الاوسط، وأوربا و أمريكا، يحكم ان هذه الحوارات ستخلق تجربة فريدة من نوعها بالرغم من تداخل الخطابات العالمية و الغربية.