العراق تايمز: كتب ثامر الساعدي..
في ظل حمى الالقاب التي تعصف بالبعض اليوم نشاهد الكثير من هذه الالقاب والمصطلحات التي بدأت تروج في سوق التباهي والمجاملة واغداق الالفاظ.. وكل يرمي لصاحبه منها ما يشتهي!!
اتذكر يوماً عندما كنت راجعاً لمنطقة (العشار) اعترضني صاحب سيارة وهو يسأل عن موقف الامام محمد باقر!!
قلت له الامام الباقر يقول كذا وكذا...
فرد عليّ قائلاً: لم أقصد الامام الباقر!! بل قصدت السيد الامام محمد باقر!!
قلت له: اتعني (الامام) محمد باقر الصدر؟!
قال بل (الامام) السيد محمد باقر الحكيم!!..
ان صناعة الالفاظ السمينة واطلاقها المشوب بالجهل قد يجعل القيادات الاسلامية في دائرة التأليه! وقد يجر الأمور الى ضياع في تمثيل الخط الاسلامي امام الاتجاهات الاخرى ..
سمعت يوماً ما احد الخطباء وهو ينقد جهل العامة ويعلق على المقولة السائدة عند البعض وهي قولهم (الامام العباس)! فيقول هذا الخطيب: ايها الناس املكوا وعياً فالعباس ليس اماماً!
وما ان تكلم قليلاً حتى قال وهو يصف مرجعه (بالامام الشيرازي)!!
فهل العباس عليه السلام ليس اماماً والشيرازي هو الامام؟!
ولا ادري لماذا الاصرار على صناعة الالفاظ التي لا تغني ولا تسمن؟!
والخطورة تتأتى من دخالة (بعض الجهات السياسية) في صناعة مصلحة ما تتصل بهذا المصطلح او ذاك..
نلاحظ الجذور التاريخية للمذاهب السنية الاربعة بأنها كانت صناعة سياسية بامتياز.. واخذت هذه المصطلحات تتجذر الى الوقت الذي اصبحت فيه مذاهب بعد ان كانت اتجاهات فقهية اجتهادية.. وبعدها تطور الحال الى سد باب الاجتهاد وحصر التعبد بهذه المذاهب فقط..
ان المرجعية الشيعية وعلى طول الخط كانت تتعاطى مع الواقع العلمي كشيء اساسي في التقييم والافتاء والجدارة لتسنم هذا الموقع الشريف..
بحيث يكون (الاعلم) هو من يتسيد الموقع المرجعي، بينما نلاحظ الواقع الشيعي صارت تتأرجح فيه الامور الى واقعيات غير علمية، وتعتاش على الانتفاخ في مصطلحات غير علمية..
وللاسف فإن خطورة هذه المصطلحات تكمن في انها تصبح مع مرور الوقت واقعيات للتقييم لدى المجتمع الذي ترسخ فيه الافكار الهجينة بسرعة!
والاخطر من ذلك ان تنطلق هذه المصطلحات من خارج الوسط العلمي الذي يعطي ضوابط التقييم.. بأن تخرج من بنطال السياسة الضيق!!
ومن المعلوم فإن هناك الكثير من السياسيين الذين يبحثون عن التحالف باتجاه او ضد الكثير من المصطلحات التي تخدم مصالحهم!
وهذه المصالح تحاول ان تجعل المقاييس في تنصيب موقع المرجعية يخضغ لابتكارات غريبة عن الواقع العلمي..
نلاحظ الاطلاقات التي تنتهجها بعض الفضائيات في الواقع الشيعي.. كما في (المرجع الاعلى) و(المرجع الكبير) .. (المراجع الاربعة)..
وهي مقاييس غير منضبطة ولا تنطلق من الواقع العلمي الحوزوي في التقييم.. فالتدرج من (الاعلم) الى الاعلى والكبير والاربعة.. يشير الى صناعة سياسية يتبرأ منها الواقع الحوزوي الذي يستند في تقييمه الى استنباطات من النصوص الشرعية..
فمن المعلوم انه لا توجد هناك في النصوص الاسلامية مراجع اربعة.. او مرجعية عليا ومرجع كبير او غير ذلك من الالقاب التي يصطنعها البعض للأسف..
وفي نص تاريخي، وهو نص مهم يشرح ملابسات مهمة في انتاج مصطلح (المرجع الاعلى)..
حيث يقول الشيخ محمد مهدي شمس الدين: (هذا المصطلح (مرجع اعلى) لا أساس له إطلاقاً بالشرع، ولا أساس له قبل الشرع الإسلامي في الفكر الإسلامي، أصلا لا يوجد في الفكر الإسلامي، ولا الشرع الإسلامي خارج نطاق المعصومين، خارج نطاق النبي(ص)، ولا المعصومين الأئمة(ع)، لا يوجد مرجع أعلى على الإطلاق. وأقول للتاريخ إننا في عهد الشهيد السيد محمد باقر الصدر نـحن مجموعة من الناس، وأنا واحد منهم رحم الله من توفاه، وحفظ الله من بقي حياً. نـحن اخترعنا هذا المصطلح. في النجف اخترعنا مصطلح مرجع أعلى. وقبل مرحلة الستينيات لا يوجد في أدبيات الفكر الإسلامي الشيعي هذا المصطلح على الإطلاق. هذا المصطلح نـحن أوجدناه؛ السيد محمد باقر الحكيم، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد بحر العلوم، ولعله يمكن أن أقول بنحو المصادفة إن جانب السيد الشهيد (رض) كان من الرعيل الأول، وهو أعلاهم وأسماهم. والداعي أنا محمد مهدي شمس الدين، كنا مجموعة نعمل في مواجهة نظام عبد الكريم قاسم المؤيد للشيوعية في نطاق جماعة العلماء، وفي نطاق مجلة الأضواء، وأردنا أن نوجه خطاباً سياسياً للخارج، سواء كانت مرجعية السيد الحكيم هي المرجعية البارزة وليست الوحيدة، او كانت مرجعية السيد البروجردي في إيران هي المرجعية البارزة. اخترعنا هذا المصطلح واستعملناه، وآسف إذا أصبح مصطلحاً رائجاً، وهو لا أساس له على الإطلاق، استخدمناه وأفادنا كثيراً، ولكن نـحن استخدمناه كآلية لا نريده، ولا نريده غلاً، ولا نريده عائقاً)... ((المصدر: الاجتهاد والتجديد: محمد مهدي شمس الدين: ص٢٢)..
وللأسف فقد اعيد انتاج هذا المصطلح مراراً وتكراراً سياسياً..
الى ان وصل هذا المصطلح الى ان يقنن من بعض رجالات الدين ومكاتب دينية مهمة في الواقع الاسلامي..
فبدل ان يكون التسيد وادارة الحالة المرجعية من قبل الاعلم.. صارت المزايدة على (الاعلى) أو حجم المقلدين وكسب الجماهير والترويج لهذا او ذاك بدون واقعية علمية!!
بحيث صارت الناس تقلد انطلاقاً من الحالة السائدة في هذه المنطقة او تلك.. وبدون ان تراجع التقييم العلمي لما يسود في جزئيات الحالة الاسلامية!!