لقد شهد عام 2014 زيادة في رفع مستوى الحذر في غالبية دول الاتحاد الاوروبي ، لكن الخطر تفاوت بين بلد وآخر بحسب عدد المتطرفين في مجتمع كل دولة. وكان لدول الاتحاد الاوروبي الكبرى الثلاث بريطانيا وفرنسا والمانيا نصيب الأسد لأن اعداد الجاليات الاسلامية فيها اكبر نسبيا من الدول الاخرى. وشهدت مطاراتها بشكل خاص سلسلة واسعة من الاعتقالات بحق الارهابيين المحتملين، ورغم ان فرنسا والمانيا اعتقلتا عددا لا بأس به من هؤلاء، الا ان المحنة الكبرى كانت في وجه السلطات البريطانية اذ تبين ان عدد التكفيرين البريطانيين الذين يقاتلون في سوريا والعراق يقدر بنحو بخمسة آلاف مما قرع جرس الانذار بقوة في لندن ودفع رئيس الوزراء البريطاني دايفيد كاميرون الى عقد اجتماعات دورية لخلية الازمات ومجلس الامن القومي البريطاني لوضع اسس التعامل مع هذا الخطر المحدق. أوروبا، ربما لم تعرف في العصر الحديث مثل الوضع الذي هي فيه الآن إلا مرة واحدة، غداة نجاح النازية في الوصول إلى سدة الحكم في ألمانيا في ثلاثينات القرن الماضي. يومها أدركت أوروبا أنها الحرب، قادمة لا محال، وراحت تتهيأ لها. اليوم أيضا تدرك أوروبا أنها الحرب، وهي قادمة لا ريب فيها، ذلك لأن حركة أسوأ من النازية، وأكثر همجية ووحشية منها، الحركة الوهابية الإرهابية، لا تقف على مبعدة خطوات من حدود بلدانها فقط، بل وتترعرع في مدنها، وتنمو في شوارعها. أوروبا تعرف جيدا أن ما يحصل في سورية من هجمة إرهابية وحشية ضد الشعب السوري أمر يمس حياتها، واستقرارها هي في الصميم، وأن امتدادات الإرهاب تتوسع، وتتشعب على أراضيها، وليس الأمر إلا مسألة وقت، وتذوق المدن الأوروبية طعم المفخخات للارهابين . وأوروبا تعرف أنها بالتساهل مع الإرهاب جعلت نفسها رهينة بيد هذا الإرهاب. أن إعلان تنظيم داعش الإرهابي مسئوليته عن الحادث الذي راح ضحيته 12 فردا في باريس دليل على أن هذا التنظيم خطير جدًا, ولابد من القضاء عليه بأسرع وقت ممكن, مشددًا على أن الدول الأوربية تظن خطئًا أنها بمنأى عن هذه التنظيمات المتطرفة, وأنها لن تكتوي بنارها لذا فهي تضع يدها في المياه الباردة, ولا تتحرك لحماية الشعوب العربية من خطر مثل هذه التنظيمات بل إنها في أحيان كثيرة تكون شريكة في صناعة مثل هذه التنظيمات. أن لغة العقل والمنطق تقتضي من مثل هذه الدول أن تضع يدها في أيدي كل من يحارب الارهاب ويقف ضده , وتكوين حلف دولي لمحاربة هذه التنظيمات بدلاً من أن تقف في موقف المتفرج. وخلال الأشهر الماضية، تبنى الأوروبيون إجراءات غير مسبوقة، كان آخرها الموافقة على تنفيذ حملة تفتيش منهجي ومتزامن على الحدود الخارجية لفضاء "شنغن". وحتى مواطني الدول الست والعشرين التي شكلت هذا الفضاء الحر للحركة، مسقطة الحدود بينها، سيضطرون لإخراج وثائق سفرهم وتمريرها على أجهزة المراقبة الالكترونية. وجعلت خشيةُ الأوروبيين، المعلنة من تنفيذ "التكفيرين " اعتداءات إرهابية، إذا عادوا مسلحين بالخبرات القتالية. الآن بات تجريد مواطنين من جنسيتهم الأوروبية سارياً في كل من بريطانيا وهولندا، وهو خاضع للنقاش في دول اخرى، من بينها فرنسا وبلجيكا واسبانيا. وفي الوقت ذاته، تقوم فرنسا بتجريد "الجهاديين" المحتملين من جوازات سفرهم، في محاولة لمنعهم من التوجه إلى سوريا والعراق. وبدأت الحكومات الغربية الى الانتباه الى مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، مشيرة إلى أن جميع المنظمات المتورطة في تلك الأنشطة، تحتاج إلى دعم وتمويل، لتحافظ على هيكلها ونشاطها، وتذهب هذه الموارد في النفقات والأجور والتدريب وإنشاء المواقع الإلكترونية وغيرها من الأمور، التي تستهلك معظم الموارد، مقارنة بكلفة العمليات الإرهابية نفسها التي لا تستهلك مبالغ كبيرة. وأوضحت أنه بالإضافة إلى الأنشطة غير الشرعية مثل تجارة المخدرات، والخطف والتزوير، تعتمد تلك المنظمات على أعمال تبدو في ظاهرها شرعية، مثل الجمعيات الخيرية، مشيرة إلى أن الأبحاث الحديثة أثبتت أن النساء يتورطن أكثر في إساءة استخدام الإعانات التي يحصلن عليها من الجمعيات الخيرية، ويحولنها من أوروبا إلى المناطق التي تنشط فيها الجماعات الإرهابية. أن وسائل الاتصال السهلة والرخيصة مثل الانترنت والرسائل النصية السريعة يتم استغلالها من جانب الجماعات الإرهابية لأهداف مختلفة، اهمها توسيع أجندتهم الخاصة والترويج لها، وجمع المعلومات عن أهدافهم المستقبلية، وتحديدها، والتواصل مع الأعضاء، بل تجنيد عناصر جديدة.
مقالات اخرى للكاتب