لا احد ينكر اننا نعيش اليوم ثورة في عالم التكنولوجيا والمعلومات والتطور العلمي ... ولهذا يفاجأ الانسان بمعلومة جديدة لم يسبق لنا ان اطلعنا عليها او عرفناها ..فيوم بعد يوم نسمع بأمراض تسببها فيروسات ملعونة جديدة ..وليس بعيدا عنا الاخبار التي غزت العالم حول الانفلونزا وكيف تطورت من انفلونزا عادية الى انفلونزا الطيور وبعدها انفلونزا الخنازير ..وربما غدا ستغزونا انفلونزا الحمير ..وليس خافيا تعدد أنواع مرض السرطان او السيدا والايدز او فيروس ابيولا ..واخيرا وليس اخر فيروس زيكا وهلم دواليك ..وكل فيروس جديد يكتشف يثبت انه العن من أخيه ...وهذا مؤشر خطير ربما يدل على ان نهاية العالم والبشرية قد تكون بسبب مرض جديد ووباء جديد لا يوجد له علاج وسريع الانتشار وربما عبر الانترنت او اية وسيلة أخرى لم تكتشف لحدالان ..والله اعلم بما ينتظر البشرية من كوارث ..
من المعلوم و المجرب عمليا ان المصائب عندما تصيب المرء كفرد قد تعمم على مستوى المجتمع وهذه الأيام امر شخصيا بأوقات عصيبة من العذاب النفسي ..بسبب مرض احد احفادي الذي قد يبدو لأول وهلة تافه وبسيط ولم يسبق ان مر بخاطري والكثير من العراقيين يعانون منه وهو (الإمساك ) والذي يؤدي في معظم الأحيان الى البواسير كما نعلم والى درجة يشاع ان اغلبية العراقيين يعانون من البواسير بسبب الإمساك .. اما ان يؤدي الى الموت ( ان لم يعالج جراحيا وفي الوقت المناسب ) فانه يتسبب بالموت ..فهذا مالم اسمع به وما صدمني شخصيا ...عندما قرأت عنه في الانترنت ..حيث تبين ان نسبة الإصابة بهذا المرض المسمى علميا ((ملتزمة هيرشسبرينج) او (مرض شلل القولون الأمعائي عند الأطفال) ..وتبين ان نسبة الإصابة به عالية وتتراوح بإصابة واحدة لكل 1500 -5000 وليد جديد ...ويعتقد ان المرض وراثي ويصيب الجنين وهو في بطن امه ...ولو ان تشخيص هذا المرض تم حديثا في منتصف القرن الماضي .. ولكن لحد الان لم تحدد بدقة أسبابه وهل هي وراثية او لسبب اخر ؟؟..وتعتمد سرعة اكتشاف المرض على وعي الام وثقافتها الصحية وعلى قوة ملاحظتها وهي خروج ( العق ) من الجنين بالوقت الصحيح وعدم تأخره ..او انتفاخ بطنه ..
وهنا اطرح على نفسي سؤالا ..هل الام العراقية من الثقافة الصحية او الوعي لتدرك ان تأخر خروج العق او الإمساك قد يكون مؤشر لمرض خطير وهو ( شلل القولون الامعائي ) ..وكثير منا لاحظ عندما يصادف مثل هذه الحالة كانت الأمهات الكبيرات ينصحن ويستخدمن عود شخاط ويلف عليها قطن وتغمس بالصابون (ليشجج ) بها الطفل .. لاثارة أعصاب المخرج والمستقيم .. وتسهيل عملية البراز. كما يقال ..وهنا استرجع قول من قال ( وكم من الجهل ما قتل ) ..
واليوم عندما اكتب عن هذا الموضوع فلاعتقادي ان الكثير من الأمهات العراقيات مثلي لم يسبق لهن ان سمعن بهذا المرض او قرأن عنه ..وكما يقول أهلنا (اللي عنده مريض هو نفسه مريض ) ..وكيف لا والمريض طفل ؟؟ وكيف لا والمريض يتيم ؟؟ وكيف لا والمريض حفيدي ؟؟ وكيف لا وهذا الحفيد حرمتني من رعايته امه وعائلتها تسع سنوات ؟؟ وكيف لا وهذا الطفل المسكين نكب بفقدان ابيه وهو في بطن امه ؟؟ وكيف لا وامه لم تدخله المدرسة وعمره عشرة سنوات ؟؟ وبالرغم من وجود قانون التعليم الالزامي والذي فرضه نظام صدام بالحزم والقوة والذي يفرض على كل عائلة الزامها بإدخال الطفل الى المدرسة ؟؟ كيف لا وقد حرموه من اهله وحجزوه بين اربع جدران ..فنشأ منعزلا خائفا اميا ؟؟ والمصيبة الادهى اكتشفنا وبمحض الصدفة ..وبعد الحرمان ما يقارب عشرة سنوات ...ان الطفل مصاب بشلل القولون الامعائي .. وهذا المرض يحتاج الى تداخل جراحي وان ترك علاجه فعواقبه خطيرة ..ووصل الى هذه الدرجة من الخطورة الا بسبب اهمال امه وجهلها بالرغم من انها وكما تدعي خريجة كلية ..
استلمنا الطفل من امه بعد زواجها وولادتها لطفلة وهو يافع ولكنه عبارة عن حزمة من العقد والامراض النفسية ..والمصيبة الجديدة انه مصاب بمرض الشلل الامعائي وفي ظروف تعسة وكل ما في العراق فاسد وسيء . ودوما أتساءل مع نفسي ما ذنب هذا الطفل وغيره الكثيرون من أطفال العراق ليتعذبوا هكذا ؟؟؟ .
من التجربة النفسية القاسية التي امر بها شخصيا و بعد هذا العمر الطويل ...احاور واناقش نفسي وانا كاب ممن يحبون الأطفال الى درجة التقديس والعبادة وكنت اؤمن بان الطفل عندما يولد فان رزقه يأتي معه وهذا صحيح ..فانجبت العديد منهم ..والحمد لله الكل تربوا تربية صحيحة ونشؤا نشئا صالحا وتعلموا وكبروا وتزوجوا وانجبوا لي العشرات من الاحفاد ..
ولكن في زمن غير زماننا هذا ..فكل شيء كان حلوا وطيبا وبسيطا ومتوفر ولاسيما القيم والأخلاق .. وذلك عندما كان تعداد شعبنا 5 ملايين نسمة اما اليوم فقد اصبح وكما يقال اكثر من 35 مليون نسمة .. وخلال الثلاثين سنة القادمة ربما يتضاعف هذا العدد ..وكل المؤشرات تشير الى ان مستقبل الطفولة في العراق بل وفي العالم اجمع بعد انتشار ثقافة التعصب والحقد والكراهية بين الناس يتجه من سيء الى اسوء ..
فنصيحتي للشباب والشابات تزوجوا وان سنحت لكم الفرصة وان وافقن فباربع نسوان ولكن عليكم بالعدل بينهن أولا وان لا تفرخوا كثيرا كي لا تجنوا على الأطفال عندما تنجبوهم ..فالطفل لا يولد برغبة او موافقة منه ..وانما بقرار من الوالدين وبلحظات سعادة ومودة ورحمة وتذهب سريعا ليولد بعدها بتسعة شهور طفل قد يعاني ويتألم العمر كله ....
كنا في السابق نتسابق في انجاب الأطفال لانهم (عزوة) للوالدين و(عزوة) للعشيرة كما معروف عند العراقيين ولاسيما الفقراء منهم ولاسيما الفلاحين منهم.اما اليوم فأصبحت الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة صعبه جدا ولا تتوفر الا للأغنياء حصرا او الحرامية ...ونصيحتي للعوائل الفتية والشابة ان يكتفي الزوجان بطفل او طفلين وتوفير افضل الظروف والخدمات لهم ..وهو افضل مليون مرة من انجاب عشرة أطفال محرومين من الرعاية والخدمات ...
ولمن يريد الاطلاع على مزيد من المعلومات عن مرض ( شلل القولون الامعائي عند الأطفال ) يمكن الاستفادة من موقع البحث كوكل ومن موقع وكيبيديا والرابط (http://www.sehha.com/surgery/Hirschsprung.htm ) قد يفي بالغرض ..
اللهم يحفظ العراق وأهله أينما حلوا او ارتحلوا ..