ما الهذيان ؟ هو تشويه ذاتي للواقع – كما يقول الفيلسوف ميشيل هانوس – يتوافق مع قناعة الهاذي . وهو خطأٌ غير قابل للتصحيح لأنه إحساس داخلي أو حلم ذاتي أو عاطفة عابرة , لكن جميع هذه الحالات قائمة على أساس خاطئ من الإحساسات الذاتية القلقة التي تواجه الوضع العام والسيطرة عليه . والهذيانُ أنواعٌ مختلفةٌ منه هذيان الحدس وهذيان الخيال والعاطفة وهذيان العظمة والتأويل والهلوسة …الخ أما النوع الجديد من الهذيان الذي يضاف إلى هذه الأنواع هو (هذيان التقشف) الذي ازداد في هذه الأيام سواء في الأوساط السياسية أو الاقتصادية أو الإعلامية والإدارية خاصةً فيما يتعلق بالاستقطاعات من الرواتب أو زيادة الرسوم والأجور والنفقات الإضافية على المواطنين بحجة ضغط النفقات والسيطرة على الإنفاق غير الضروري حتى امتد هذا الهذيان إلى إيجاد منافذ جديدة أو زيادة المنافذ القديمة كأجور الماء والكهرباء والمجاري والتبليط ومعاملات دائرة التسجيل العقاري والأحوال المدنية والشخصية والخدمية حتى أخذت كل وزارة تتفنن بخلق وإيجاد وسائل جديدة للجباية من المواطنين بذريعة معالجة الضائقة المالية التي يمر بها البلد كما حصل في وزارة الصحة والتربية والنقل والعدل …الخ في الوقت الذي يجب أن تكون خدمات هذه الوزارات مجانية دون قيد أو شرط .أقولُ إذا كانت الدولة تعتقد أن هذه الإجراءات والوسائل تساعدها في معالجة الضائقة المالية فإن هذا الاعتقاد غير مؤثر أو منتج في معالجة الأوضاع الاقتصادية التي قامت أساساً على قواعد رصينة من الفساد المالي والإداري والسياسي والأخلاقي إذ أصبح من الصعب معالجة جانب دون آخر إذا لم تلتفت الدولةُ إلى مكافحة ثورية شاملة لكل قواعد الفساد وبطريقة علمية تقومُ على تطبيق قاعدة (الثوابُ والعقاب) أولاً وتفعيل وتطبيق قانون (من أين َلك هذا) ثانياً وحيادية واستقلال القضاء ثالثاً , وتنويع مصادر التمويل المالي والاقتصادي رابعاً وبتعاون هذه العوامل يمكن معالجة الأخطاء المالية والاقتصادية والحفاظ على المال العام الذي هو مال الناس كما يقول أبو ذر الغفاري (رض) وليس مال (النخبة) أو ( الملأ) فلماذا لا تسترجع الدولة المال من (كدس) السرّاق والفاسدين واللصوص من أجل جوع اليتامى والفقراء والمساكين والمرضى ؟ وصدق من قال ( اللص ليس هو من يسرق بيتك وإنما هو من يسرق وجودك) خاصةً في دولة من المفروض أن لا يجوع فيها إنسان أو يعرى . صدق أبو ذر الغفاري (رض) الذي مات في الصحراء الملتهبة من أجل مقاومة الظلم وتحقيق العدل والمساواة بين الناس دون تميز بين العرق واللون والدين والمذهب .
مقالات اخرى للكاتب