الموقف الفكري والثقافي - في نطاق جغرافيا العراق وبعض المناطق العربية الخاضعة لهيمنة العشيرة والنزعة القبائلية – الذي يتحدى العشيرة ويواجه بصلابة قوانينها التي تؤسس لالغاء القوانين الرسمية المكتسبة لشرعيتها العالمية يثير - أي هذا الموقف - استغراب السياق الاجتماعي الذي تهيمن عليه العشائرية وهو امر غير مستبعد بوصفه ردة فعل اجتماعية متوقعة من نسق خاضع لسلطة العشيرة تجاه الموقف الفكري الذي يواجه قوانين العشيرة لكن المستغرب هو ردة فعل الوسط الفكري والثقافي تجاه الموقف الذي انطلق من ارضيته في سياق فردي سواء كانت ردة الفعل هذه مؤيدة للموقف الثقافي او مستنكرة له فمن المفترض ان يكون الوسط الثقافي والفكري بمنأى عن هذه المهيمنات بل انه من المفترض ان يكون داعية للتنوير والتمدن المتجاوز للمواضعات العشائرية والاندماج بالقوانين والايمان بها بوصفها سياقا عالميا في تنظيم وحل الاشكاليات الانسانية .
ان طغيان العشائرية انتج عددا من المواضعات الخاطئة التي سنت كقوانين في السياق الاجتماعي مثل ( الفصل ) والتهديد بالعنف او مايسمى ( الكوامة) او النهيبة والمعاقبة عليها بالقتل رغم ان النهيبة هي زواج شرعي بين اثنين متحابين اجبرهما العرف العشائري على الزواج بطريقة سرية نتاج محاولة هذا العرف على اجبارهما على زيجات لا يرغبان بها وغيرها من الامور الوحشية التي تنتمي الى العصور الحجرية والجاهلية بل ربما ان هذه العصور انتجت قوانين اكثر تمدنا من القبائلية المعاصرة , ولذلك وبازاء
هذا الفكر الظلامي يتوجب على الفكر التضاد وخلق مواقف متضادة تحاول ازاحة هذه النوعية من الافكار الظلامية
واحلال بدائل تنويرية مؤثرة وفاعلة في الاوساط الاجتماعية الخاضعة لهيمنة المواضعات القبلية والعشائرية وهو ما يتطلب جهودا كبيرة على صعيد الانتاج الفكري والثقاقي وعلى صعيد المواقف المناهضة للنزعات العشائرية المخالفة للقوانين الانسانية العامة . ظهرت في الاونة الاخيرة مواقف للفكر الفردي التنويري التي عملت على تحدي النزعة العشائرية لكن الموقف الفكري العام ابدى ازاءها استغرابه وكأن هذه المواقف هي بمثابة خوارق للعادة او انها اشياء مستحيلة مع ان هذه المواقف لا بد ان تكون من المواقف العادية للفكر التنويري الذي يتصدى للافكار الظلامية وعلى الفكر التنويري بصفته العامة ان يتخذ مواقف مشابهة لهذه المواقف الفردية ليرتقي الى مصاف المواقف العامة فمن شأن المواقف العامة المضادة لكل ما هو ظلامي وخارج على القوانين ان تشكل وعيا مؤثرا وفاعلا في تشكيل جمهور واع وقادر على التصدي للاطروحات الظلامية الناتجة عن النزعات القبائلية والعشائرية ومواضعاتهما المضادة لروح القوانين العامة وللطابع الانساني والوعي التنويري الذي تفترض سيادته في العصور المتمدنة التي جاهدت وعلى مر القرون لازاحة مهيمنات الوعي الظلامي بمختلف تجلياته وتمثيلاته .
مقالات اخرى للكاتب