من النعم التي يفتخر بها المرء، ويعتز بها طول حياته، أن مكّنه ربه من قراءة كتب ومقالات، الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، رحمة الله عليه، منذ الصغر، ثم أردفها بمتابعة دروسه ولقاءاته، عبر القنوات العربية المختلفة، ليختمها فيما بعد، بمتابعة خطب الجمعة، عبر القنوات السورية مؤخرا.
لكن بقي الأمل، يراود النفس، على أن يجمع الكاتب بالقارئ، والخطيب بالسامع، فالعين كذلك تقرأ. وتشاء حكمة ربك، أن يكون الجمع، ويتم اللقاء، خلال عام: 1431 هـ - 2010.
1. مع الخطيب البوطي في خطب الجمعة
أول عمل يشد العقل والقلب معا، هو التوجه للمسجد الأموي الشريف، حيث تقام خطبة الجمعة للشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.
وجاء اليوم الموعود، وكان الذهاب لحضور أول خطبة الجمعة، وكان ذلك يوم: الجمعة 1 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2010، في حدود الساعة التاسعة صباحا، ليتمكن الزائر من أخذ مكان، يُمكّنه من النظر جيدا إلى الشيخ، وهو يُلقي خطبة الجمعة.
وماهي إلا لحظات، حتى يمتلئ المسجد الواسع الشاسع عن آخره، والأعناق كلها متجهة نحو القادم بخطى ثقيلة ثابتة، زادها الزمن هيبة ووقارا .. إنه الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.
يتوقف الجسد عن الحركة، وتظل العين تتابع حركات الشيخ لاتفارقها.. هاهو يتقدم، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، وبعدها يصعد المنبر، ليلقي السلام، ويجلس لينصت للأذان، وينهض للقي للخطبة.
قال الزائرفي نفسه، وهو يرى لأول مرة، منبر سيدنا رسول الله بالمسجد الأموي، كيف يمكن للشيخ البوطي، الطاعن في السن، الهزيل البنية، أن يصعد هذا المنبر، العالي جدا، والذي يحتوي على سلالم عديدة، قد يجد الشاب الجلد، صعوبة في الارتقاء إليها.
لكن، أزيلت الدهشة، حينما صعد الشيخ المنبر، بسهولة ويسر، وظل واقفا كالطود العظيم، يرتجل خطبة الجمعة، بفصاحة وبلاغة، وسلاسة ويسر، يشرح فيها للأنام، ويوصي الأشهاد، لما فيه خير العباد والبلاد.
ومن كرم الله تعالى، أن مكّن عبده الزائر، من الاستماع مباشرة ودون واسطة، إلى 3 خطب، من خطب الجمعة للشيخ البوطي. فالثانية كانت بتاريخ: الجمعة 8 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ: 23 أفريل 2010. والثالثة بتاريخ: الجمعة 15 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ: 30 أفريل 2010. وقد أعاد كتابة الخطب، معتمدا على ماحفظته الذاكرة حينها، ويحتفظ بها لمن أراد الإطلاع عليها.
ويختم الخطبة، بالدعاء لسورية الحبيبة، والمسلمين جميعا. وكم يتمنى السامع، لو أطال الدعاء، لعل أبواب الإجابة، تكون مفتوحة في تلك اللحظة.
وينزل كما صعد، دون أن ترى عليه آثار الزمن، وطول الوقوف، ليصلي بالناس، فيقرأ قراءة عادية جدا، يخفض صوته إلى أدنى، حينما يقرأ، آيات النار والسعير والوعيد، ويرفع صوته إلى أعلاه، حين يقرأ آيات الجنة، والرضوان، والرحمة.
2. الافتخار بساعة اللقاء
وبمجرد مايعلن انتهاء صلاة الجمعة بالتسليمة الأولى، يتهافت عليه الجميع من كل النواحي، كل يريد التحدث إليه، ومصافحته. وفي لمح البصر، إذ بطوق بشري، يُضربُ من كل جانب، من قبل شباب، يمنعون كل آت وقادم، إلا لمن أذن له الشيخ.
وكانت ساعة لاتنسى أبدا، أن اقتحم الزائر، الطوق البشري، ليسمح له بعد عناء شديد، من لقاء الشيخ، والتحدث إليه، ولو لمدة قصير جدا، لأن شدة الازدحام، لم تكن تسمح لأكثر من بعض الكلمات. وظل يفتخر بتلك اللحظة، ويرددها على الأسماع، دون كلل ولا ملل.
واستمر الزائر، في حضور الخطبة الثانية والثالثة، حسب المدة التي سمحت بها الزيارة، وفي كل جمعة، يَكبُرُ في عينيه الشيخ، وفي كل مرة، يقارن بين الذي قرأه، والذي يراه الآن ماثلا بين عينيه، فحمد الله على التطابق، والانسجام.
3. المصالح المرسلة
لم يفوت فرصة الحضور لدروس الشيخ، فحضر درسين من دروس: شرح كتاب: "المصالح المرسلة"، الأول بتاريخ: الجمعة 07 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ: 20 أفريل 2010. والثاني بتاريخ: الثلاثاء: 14 جمادى الأول 1431هـ الموافق لـ: 27 أفريل 2010.
والكتاب من تأليف الشيخ البوطي، واقتصر الحضور على الطلبة من دول مختلفة. والشيخ في هذا الكتاب، كان دقيق في اختيار الألفاظ، يسعى لتقريب القاعدة لتلامذته، عبر أمثلة يعيشونها باستمرار، ويلمسونها يوميا، لأن الموضوع كان أقرب إلى التجريد، ويحتاج إلى نوع من التبسيط، فلزم التكرار والإعادة، التي رحب بها الشيخ، ولم تثر فيه أي اشمئزاز. وقد تم تدوين الدرسين، لمن أراد الاطلاع عليهما.
4. أهمية اللغة العربية
وبينما الزائر، يجوب جامعة دمشق، إذ به يقرأ إعلانا يتعلق بإلقاء محاضرة بعنوان: "أهمية اللغة العربية"، بكلية التربية بجامعة دمشق، من إلقاء الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، بتاريخ: الأحد 18 أفريل 2010، فكان له شرف اللقاء، والحضور، والمتابعة، والإنصات.
ويومها، انتقد الشيخ بشدة الوزراء المسؤولين القائمين على التربية والتعليم، على تهاونهم في حماية اللغة العربية، وانتقد وسائل الإعلام على مساهمتها في نشر العامية، وأكد على ضرورة ربط اللغة العربية بجذورها، المتعلقة أولا بالقرآن الكريم، وقد أعدنا كتابة المحاضرة ، لمن أراد أن يطلع عليها.