هذا حديث تاريخ وسياسة وفكر، وليس حديث دين وايمان وعقيدة ،حديث مسلمين وليس حديث أسلام ،وحديث كاتب يعاصر القرن الحادي والعشرين ، لكنه يتعايش وينتمي لخمسة عشر قرنا من الماضي السحيق، لذا فهو قد يخطأ عن غير قصد، وقد يصيب عن عمد. يخطأ حين تركبه العاطفة ، ويصيب حين يتعايش مع العقل .
هكذا كُتب تاريخنا حين ركبت العاطفة المؤرخ ، فجاءت كتاباته على الحدس والتخمين وان ملك السَند احيانا لكن سنده كان بلا دليل.ففسر الاحداث تفسيرا طوباويا لمجرد ان يرضي السلطان وحاشيته المتنعمين ،ولعمري هذا ليس بتاريخ وانما هي روايات وهذيا ن...؟.وحين كتبنا منهج الدراسة رسخنا الخطأ في عقول الأجيال فاصبح من المستحيل نزعه من عقولهم الا بسند وبيان .
لا ندري أهي روايات حقاً ...؟ أم هي دين أو سياسة ...؟،ان النهاية تثبت ان الدين والسياسة وجهان لعملة واحدة ، مادام الاعتقاد فيهما يشمل المصحف والسيف معاً. لذا علينا ان نجهد في الفكر لنثبت الحقيقة الغائبة لدينا اليوم ونغير منهج التاريخ .
ان الذين يرفعون الراية في تطبيق الشريعة عليهم ان يعلموا ان تطبيق الشريعة ليس هدفا في حد ذاته،بل وسيلة لغاية لا ينكرها احد من دعاة التطبيق ، لاقامة الدولة الدينية التي فات زمانها بمقاييس العصر المتحضرالجديد.لقد رفعوا بالامس شعار ان الاسلام دين ودولة كما في جماعة الاخوان المسلمين ، وحزب التحرير، وحزب الدعوة ، وقالوا ان الاسلام وشريعته يمثل حلقة الربط بين مفهوم الدين ومفهوم الدولة وحقوق الناس (الماوردي ت 450)،وانهما وجهان لعملة واحدة كما نقرأ ونفهم من كتاباتهم ( الغزالي ت505)،لكنهم في التطبيق فشلوا ان يوظفوا الدين لخدمة الدولة والناس أجمعين.
نحن حين نقرأ لا نبحث عن اهدافهم المعلنة ،بل نبحث عن الحقيقة المطبقة حين يحكمون الدولة وكيف يطبقون.اي الحقيقة والسياسة والمجتمع وكيف يعملون،ولكن حين نتابعهم في شعاراتهم واهدافهم نرى ان لا برنامجا سياسيا ولا دينيا عندهم،فلا نقرأ لهم نظرية في المجتمع ،ولا نظرية في الاقتصاد ولا في التعليم والصحة والتطور التكنولوجي الذي عاصرته الشعوب الاخرى وتقدمت به وهي بلا دين.
2
المفروض ان يعملوا على سد الذرائع التي بها يتحججون والتي يتباهون فيها قبل استلامهم حكم الدولة في 2003 ،فالعبرة في التطبيق وليس في النظريات الوهمية الملائكية للسيد الجعفري وجماعته التي ينشرون.
حين قرائتي لكتب الاخوان المسلمين وحزب التحرير وحزب الدعوة العراقي يوم كنت يافعا تلهبني العاطفة فيما اقرأ واعتقد،لم اكن اميل الى ماكتبه مؤلفو حزب التحرير في كتيباتهم ولا الاخوان المسلمين في نشراتهم ومحاضراتهم ...قدر ما تأثرت أشد التأثر في كتابات حزب الدعوة وخاصة في كتابين منه هما (فلسفتنا وأقتصادنا ) للمرحوم الصدرالأول حين رفض ولاية الفقيه وبررها تبريرا منطقيا بعيدا عن التهويل لحد كنت اعتقد ان احسن كتابين ضميتهما الى مكتبتي التي ضاعت في العراق بعد التهجير.لكن بعد ان استلم حزب الدعوة الحكم لم يطبق لا فلسفتنا ولا اقتصادنا بقدر ما ظهر القادمون انهم جملة من النهازين الذين لا دين لهم ولا عقيدة ولا هيبة ولايقين.
يتكلمون اليوم عن هيبة الدولة المضاعة وما دروا ان الهيبة تأتي من احترام المواطنين،ومن الحفاط على الثوابت الوطنية ،ووصول الأمة الى اعلى درجات القوة والسلطان السياسي ،لا ان يفرض علينا الولاء السياسي كما في تصريحات ولايتي الوقحة دون ان يستطيع احد من قادة الدولة الرد عليها وكأن العراق بات مستعمرة ايرانية لا دولة عربية مستقلة ،ومن يمثلها في برلمانها العتيد هم أهلها ونوابها،فاين نوابنا العرب والاكراد والتركمان ؟الااذا كانوا هم جميعا حلقة من حلقات الخيانة والتدمير. فهل كان الحشد الشعبي الذي ولد من الجهاد الكفائي للمرجعية المتواطئة مع ايران سيفا مسلطا علينا في الوطن ليقتل الوطن والمواطنين ويحول ديالى والبصرة الى اراضي ايرانية.وان تكون سرايا الخراساني هي التي تتحكم بأمن الجماهير ،فاين الدولة والرئاسات الثلاث من هيبة الدولة التي يتكلم عنها سليم الجبوري الخائب ،واين هي من اصحاب نهب الملايين – الرجال على كد أفعالها- ؟ وها هو اليوم يتنقل بطائرته الخاصة المشتراة من قوت الجياع والمساكين يستجدي الأخرين.
فالدولة ليست محاصصات وظيفية وسرقة اموالها ومنافع اجتماعية وامتيازات فردية وخطب فارغة وتسميات وهمية يصرح بها المسئولون الاميون في السياسة والدين وحقوق المواطنين.الدولة هي منطلق الجد والجدية والأعتقاد والهيبة العسكرية والاستقلال الوطني،فالدولة قانون يحكمها ودين يراقبها وانسان مخلص ينفذ قوانينها في الحقوق والواجبات بعد ان مرغوها في الوحل واستغلوها خلافا للدين والقيم ،فاين من الثلاثة عندنا موجود ؟ ليس
3
الذي نقوله بلاغة افترائية عليهم ، بل عجز القدرة وقدرة العجز الذي هم فيه والغون.هؤلاء الذين بنوا بنيانهم على جرفٍ هارٍ فأنهار بهم والله لايهدي القوم الظالمين.
اليوم بطائراتهم الخاصة التي ورثوها من اموال الجياع واليتامى والمساكين يتجولون ،يستجدون هذا وذاك من اجل عقد جلسة برلمانية فاشلة وبلا شرعية لمجرد اثبات الوجودخوفا من ضياع امتيازاتهم الدنيوية وتقديمهم غداً لمحاكم التحقيق، اما الشعب والوطن ومستقبل الاجيال فليس في خاطرهم ماداموا هم ومن يتبعهم قد أمُنت مصالحهم خارج الحدود كما قالها حيدر الملا الفاسد احد أزلام الوجود.
اين التصريحات المستنكرة،والمواقف الوطنية من تصريحات ولايتي وسليماني ونائب خامنئي ولي فقيهم المرفوض؟،ولماذا السيد الصدر قائد المسيرة الذي توسمنا فيه الرجاء يعتكف هناك في قُم ؟، الا يكون هذا الاعتكاف تأمرا على سيادة الوطن ،ولماذا لا يعترض ويعود ؟ واين التحالف الوطني وعمار والفضيلة والاخرين ؟ ..لقد تكشفت المؤامرة على الوطن ممن يحكمون ولم يبقَ لهم من دليل على النكران المبين ؟. ياللعار على من يقودون الوطن ويدعون اليوم بعراقهم ودولة القانون. لكن الذي تخلى عن الوطن والمحافظات والحدود لا عتب عليه فهم والمغول سواء بسواء في قبول احتلال العراق والعراقيين.
لقد مللنا الغائب وكلمة سوف وسيكون ،بل نريد مجتمع الكفاية والعدل والقانون والقوة والهيبة والمحافظة على المواطنين ،حيث يجد الخائف مأمناً، والجائع طعاماً،والمشرد سكناً ، والانسان كرامة.ولا تأجيل لهذه الأهداف بحجة المواءمة،أو بأرتكاب المعاصي أتقاء الفتنة،أو تشبها في تعطيل حد السرقة كما فعلوها السابقون في عام الجماعة،او لجوءاً للتعزير في مجتمع يعز فيه الشهود العدول.لم نقرأ في التاريخ ان استهان الحاكم بالوطن مثلما يستهان به اليوم من قبل قادة العراق الجديد.
لازلنا نهرول خلف مرجعيات الدين الذين يؤمنون بالفلسفة المثالية ويعتقدون انهم فوق البشر والمعرفة وهم مقدسون(قدس سرهم ) ويتأمرون علينا من اجل اعادة ايران زيزفون.عيب علينا نحن العراقيون ان نقبل اليوم بما يقولون،وبعد ان حولونا الى مضحكة الشعوب ،جراء استغلالهم للوظيفة والقانون،وابناؤنا حيارى بين اللجوء والهجرة في سفن البحار الغارقة ،والحاكم الباطل محصن في قصور السابقين،والشعب جائع ومهجر ،و لا احد يعرف منهم اين
4
يذهب وماذا يعمل ويخطط من تدمير،والابناء في اوربا والعالم محصنين باموال اليتامى والمساكين،ومنافعهم الاجتماعية وأمتيازاتهم الباطلة لاحد لها ولا تقدير..لكن اذا حان وقت الصلاة تجد الف منافق من الراكعين .
وكذابين الزفة في الداخل والخارج من المهرجين يهرجون ..؟ .
على الشعب ان يرفض مرجعيات الدين الباهتة والمتراخية والصامتة صمت القبورفي مطالبات الحقوق،فمرجعيات اهل البيت والصحابة (ع) كلها استشهدت من اجل حقوق المواطنين وعدالة التطبيق ،الم يستشهد الامام علي والحسين والكاظم (ع) اصرارا على حقوق الناس من المغتصبين.اليوم غابت تلك المرجعيات وممثليها تتمشدق بها دون فعل وتطبيق ،وأبناؤها هناك في لندن وباريس في النوادي المخملية يتسكعون . فالشعب هو الذي يجب ان يطالب وهو الذي ينتزع منهم الحقوق .واذا شعر الحاكم المستغل بأرادة الشعب وباصرار ه على نزع الحقوق منه سيتخاذل ويخضع لأرادة المظلومين كما حصل في عهد دولة البويهيين .فلا مجال للمواطنين الا باستمرار الاحتجاجات السلمية وطرد الايرانيين المحتلين والأخرين واعدة الحقوق للشعب من المغتصبين.
ان احسن الشعارات التي رفعت منذ عهد التظاهرات هي ( باسم الدين باكونا الحرامية ،وايران بره بره بغداد تبقى حرة) ، ولتبقى مرفوعة حتى سقوط التتار وهولاكو الجديد .
لقد فشل التحالف الوطني وتحالف القوى وكل المرافقين للتغيير عن تلبية الشرعية لأتباعه الذين أوصلوه الى سلطة الدولة ،بعد ان غاب اصحاب العقيدة والدين وتحول حزب الدعوة والاخوان المسلمين الى مستغلين ومنافقين وسراق للمال العام ، لا يؤمنون بدين ولا بدولة ولا بالجماهير ،بل بسلطة الدولة والمغانم ولا غير،فعليهم ان ينزووا في اركان مزابل التاريخ ،وها هوعادل عبد المهدي يفضحهم ويعترف باستلامه مليون دولار لكل واحد منهم شهرياً منافع اجتماعية ،في مقابلته مع فضائية السومرية، والشعب يموت ويتضرع جوعا وهم يلطمون على الحسين ...مظلوم انت يا ابا عبدالله الشهيد منهم ومن الامويين.
عليهم ان يعترفوا بعمالتهم للاجنبي وان التغيير كان مقصودا للتدمير ؟ ان هم يؤمنون بحقوق الجماهير وثوابت الدولة الوطنية والدين. الدين لا يكون دولة بل يكون مراقبا عليها من انحراف المنحرفين الذين أنحرفوا فعلا عن القانون والدين ولا يقبل بيع الوطن ،انظر الآية 43
5
من سورة التوبة،لذا لابد من فصل الدين عن الدولة لتبقى السلطة في ايدي القانون والدستور وتكوين جيش وطني يحمي الوطن قبل ان تبتلعه ايران وكل المجاورين .ولا غير.
فهل عادت سقيفة بني ساعدة تتحكم بالجماهير...حين نادوا ... منا أمير ومنكم أمير ؟؟ فأمتص المسلم المخلص الشعار وعاد بالدولة الموحدة تحت شعار الوثيقة والقانون والألتزام بالقسم واليمين.
نعم ذاك زمان مضى...كان الأنسان فيه يملك بقية من اخلاقية الانسان والدين؟.
فماذا هم اليوم يملكون ....؟ فمَن يحاسب ...مَن في دولة ضاع فيها الوطن ؟
jabbarmansi@gmail.com
مقالات اخرى للكاتب