في خضم هذا التزاحم من فرادى وجماعات التي احتوتها ساحة الصراع ، ابان وبعد انطلاق ثورات الربيع العربي . صراع تخلى من الضوابط التي تلتزم المباديء الاخلاقية والوطنية ، بل اباحت كل وسيلة لتحقيق المصالح الحزبية والشخصيه ، وكأن القياس الذي اسسه صاحب كتاب الامير ، هو الرئة العملاقة التي يتنفس بها سياسيوا "المصلحة " كدافع اعمى في الوصول الى الغاية ، وهذا الدافع قد ينشطر ويتشعب ، حتى تمارس كل الوسائل ، متجاوزة الاخر ، ملغية الضابط المتين بين مواطن ووطن
السؤال .. ماذا جنت الشعوب من هذا الربيع ، وأي رياح هبت ، واي فئة اغتنمت السلطة ؟
من تونس لطرابلس للقاهرة لدمشق ، هناك غاية جمعت الثوار في عفوية ، هي الخلاص من الطغاة ، وهذه الغاية هي الخيط الرفيع الذي طالب به الثوار باختلاف توجهاتهم ، قبل ان تسرق الثورات وتوسم بأتجاه خطط له الغير وجندوا له بالخفاء والعلن ، لوصول فئة دون غيرها ..
في تونس كان السقوط الذي حدث بصورة دراماتيكيا ، حشود انفجرت على حين غرة ، بعد ذلك الهدوء والاستكانة ، حين كان الشعب على السكة التي تحددها السلطة ، وهي تسحب الشعب من خرطومه انى تقرر وتريد . ولكن هكذا الاشتعال ليس نار من تحت رماد ، بل انه فعل البراكين من جبال بدت صامتة لفترة طويله فانفجرت .
ازاء هذا المتغير وقفت الامة تغلي ترتعد اوصالها وهي في صمت مريب ، ماذا سيكون مصير هكذا انتفاضة ؟ سقط نيزك جماهيري ، فسقط زين العابدين بن علي . حينها لم يدرك الشعب ولا الرئيس وهم على مسرح الاحداث ، ان تكون النتائج بهذه السرعة ، فقط المشاهدون كانوا في احترام مهيب على ما حققته بهذه العجالة .
هذا الانجاز الحيوي اسس للغليان في ليبيا، رغم البدايات الخجولة ، التي نزعت جلباب الخوف بعد هروب ابن علي ، ولكن اختلفت الامور في دولة يقف بها دكتاتور مسك السلطة بالحديد ، كان واثقا بأن كفة القوة ، ودعم المؤسسة العسكرية والامنية حاجزا منيعا دون ان يحدث له مثل ما حدث في تونس ، وفعلا اوشكت " بنغازي على السقوط بعد الابادات الجماعية في عموم ليبيا ، ولكن تدخل الناتو وصواريخ توما هوك ، اخلت بالمعادلة وجعلت القذافي يفقد التوازن حيث رحل .
اما مصر فحاكمها لعب على الخطين ، المواجهة والمهادنه ، الى حيث الت اليه الامور .
كل هذه المقدمات والتي انساقت ببعد واحد ، مهما اختفت وراء الاكمة الغايات ، حركت جزء من الشعب في سوريا ، ولكنها واذ هي تدب على الارض اخذت منحى خطيرا يختلف عما عاشته العواصم الثلاث ، اذ احتوى البعد الطائفي فيها الدافع الاول واضحى محورها الاساس . من هنا تجرد الحراك من عفويته لاسقاط حاكم ، بل لاسقاط محور ممتدا من طهران لجنوب لبنان في موطنه وقلبه دمشق وحاكمها وطائفته ، رغم كل الدلائل التي تشير عدم اعتماد النظام هذا الاحساس والانتماء الطائفي في دوام حكمه انما الملتقيات في هذا المحور "المقاومة " ، وهي الطامة الكبرى لبيادق الغرب وامريكا واصدقاء اسرائيل كتركيا وقطر ، والقادمين الجدد . حين شطبت تلك العناوين البارزة من اجنداتهم ويافطاتهم ، من العداء لدولة اليهود الى العداء لدولة فارس ، ومن شامير ونتنياهو الى بشار ونجادي ، ومن اليهود الى الشيعة .
رب سائل يسئل : الم تكن صناديق الاقتراع قد اوصلت الاخوان الى السلطة في البلدان الثلاث ؟ والجواب ان الخلاص من الحكام هو مطلب جماهيري قادها بعفوية ،ولكن انبثقت وفي غفلة من هذه الجماهير حشود سرقت الثورات ، وان هي تمر عبر صناديق الاقتراع ، فان رجحت كفة الاخوان ، فهي ليست لانها البديل لاولئك الحكام ، ولكنه الفراغ الذي عاشه المواطن حين افتقد الى قيادات معارضة منظمة مؤسسة لها قواعدها ، مكللة بتاريخ نضالي ضد السلطة . انما جلهم من بقايا الانظمة القديمه ، او اولئك اللذين تصدروا الشاشات الغربية في المناسبات وهم يقرعون الكؤوس في الليالي الحمراء ، او اؤلئك من انزوى في فنادق الخمس نجوم ينظر ويسطر ، وكل وجوده " ما زاد حنون خردلة "
من هنا جاء اختراق هؤلاء مدعوما من حكومات اقليميه تبنت هذا الاتجاه ، ودعمت وصوله الى السلطة فجاءت ديمقراطية الهراوات مجندة مدعومة من خطط لذلك بشكل وفر كل مستلزمات الوصول .
ورب سؤال يطرح نفسه .. اذا كان بعض الحكام في الاقليم تتناسق رؤاهم في هذا الاتجاه في وصول هذا النوع من الحكام الى السلطة ، فاين يقف الغرب من وصول هؤلاء ؟
اذا كان فن اللعبة أستوجب ان تجند امريكا ابن لادن في افغانستان وما اورث هذا التجنيد كخفافيش طلبان ، أليس من الاحرى قراءة النتائج فيما بعد ، وماذا حدث في سبتمبر 2001 لامريكا ؟ يبدو ان
بريجنسكي لم يخطيء في السياسة البعيدة المدى فهو يعود مرة اخرى ليدعو اقامة هكذا دويلات . ولهذا في الوقت الذي اسقطت طلبان فانها ردة فعل ، او عقاب لشرطي عصى وتمرد .
الان امريكا تقف في مفترق طرق . اولا انها احست أن كل شعار رفعه هؤلاء قد تغير تماما ، فالعداء لاسرائيل وامريكا اخذ منحى اخر ، وان كل ما تعكزوا عليه هو في شعاراتهم سابقا اضحى باتجاه يتفق وكل مبتغياتها صوب عدو هو ايران وحلفائها . اما ثاني الرؤى هو ان يتسلم هؤلاء الجدد ، السلطة ومن ثم تبيان كل ظلاميتهم ووحشيتهم ، حتى تحترق اوراقهم امام شعوبهم ، حين تكون منارتهم وعاصمة مجدهم " تورا بورا " وكهوف التخلف وحيث يمسك صولجانها امام الديمقراطية والتحضر " ايمن الظواهري "
اما المفترق الثالث هو ان تكون دول المياه الدافئه مرة والمقاومة في اخرى ، ولايات ودويلات متناحره يعبث بها من يبعد ابيه او يقتل اخيه ، قطاع طرق ولصوص ليل وقاطعي رقاب وربما تصل النيران الى مواطنهم ومراتعهم مثلما يجري الان من صراع بين قطر والسعوديه .
هذه المشاريع تتحرك على الساحة الان ولم تبق الا سوريا . لقد طال فيها الامد لتحقيق الرباعية . يبدو انها عصت حين سارت الامور بمحوريين ،المحور الاول السمة الطائفية حد النخاع ، وهنا تحشدت اطراف المساندة من الطرفين ، فحين هبت الخراف المأجورة وكانها الحرب فوق الكونية ، لدعم من ينبشون القبور ، ويخرجون الاجداث لصحبة الرسول ، ويهدون بيوت الله ، وقال قائلهم : لو كان محمد ص مع بشار لحاربته . حشود مدفوعة بهذه اللعنة والطائفية الميقته ، فتحت لها الخزائن واستوردت البهائم سلاح ومال واعلام . قابل هذا التحشيد وبعد جرح مشاعري عند الطرف الثاني ، نزل حزب الله الى المعركة ، وكثير من المتطوعين شيبا وشباب للدفاع عن مقدساتهم ومن هنا نزع الفتيل عن زناد الصمت بعد ان امعن التكفيريون واوغلوا في قتل وذبح الاخر وداسوا على حرماته .
المحور الثاني ، هي ان القضية السوريه اخذت بعدا دوليا ، وكأن العالم الذي بتر احد ساقيه " غورباتشوف" يريد بوتين ان يسيره مرة اخرى على ساقيين وان بدت احدهما لازالت تتعكز على مجدها السابق
هذان المحوران يسجل على الارض السورية بعض التوازن ، والكفة تميل الى المنجز لقوات بشار على الارض ، فحين انتهت " القصير " وهي قلعت الانطلاق والتأسيس وقد التحق فيها ضباط من جنسيات متعدده ودعمت بشتى انواع السلاح المتطور ، احدثت الصدمة غير المتوقعه ، وذهول لمن اعدوا العدة لتكون انطلاقهم من هذا الجزء الى الكل . وبعد الانتهاء من " داريا وريف دمشق والتوجه الى البقايا في حلب " اتجهة البوصلة الى رفض السقوف العالية من الطلبات ، والتعجيل في الحلول السلمية ، بعد ان ضاق اوردغان العقاب من نفس الجنس ، وتحرك الاسطول الروسي نحو طرطوس ، جعل من مؤتمر جنيف 2 ، ربما الضوء في نهاية النفق ، لكنها ليست النهاية سيبقى الاقليم على صفيح ساخن مادام تلك الممالك والامارات تتنفس بهذا الحس الطائفي .
مقالات اخرى للكاتب