اليوم قبيل الفجر بقليل..رأيت حلماً ..كأن العراق قد تحرر نهائياً من داعش ….وعادت كل المدن المغتصبة ..وأصبحت كل الحدود والمنافذ بيد قوات الحدود العراقية ..كأن العملية السياسية في العراق أصبحت أكثر نضجاً والحكومة أكثر رشداً والشعب أكثر وعياً ..وعاد الأستقرار في البلد كما كان في السبعينيات ..كأن الربيع قد حّل في بلادنا وأخضّرت الأرض وتزيّنت الشطئان والضفاف بالزهور والورود الجميلة ..!..
كأنت الأهوار قد أمتلأت بالماء وتطاول البردي والقصب من عروقه .. كأن الأسماك تتقافز فرحة هنا وهناك ..وبدأت أسراب الطيور الجميلة تتوافد من كل الأصقاع وهي تجوب المكان ..كأن بغداد عادت لها أبتسامتها…..كهرمانة تبتسم بعد أن أفرغت الزيت الحارعلى رؤوس اللصوص ..المتنبي يرفع يديه علامة النصر ..ويعود رأس أبو جعفر المنصور إلى مكانه دون ضجيج ..وأسمع أم كلثوم تغني من مقاهي شارع الرشيد ( القلب يعشق كل جميل) كأني لم أعد أسمع نواحاً وبكاء ولطماً وصراخاً .. كأني لم أعد أسمع ضجيج السلاح ودعوات الحرب وأناشيد الموت وطقوس الجنائز ..!كأني أسمع موسيقى رقيقة تنبعث من مسجلات السيارات والمحلات القريبة ومعها صوت فيروز الدافئ كل صباح (سألوني الناس عنك ياحبيبي…. كتبوا المكاتيب وأخذه الهوا ).. كأني أرى الحياة عادت من جديد ..والعراق عاد من جديد ..والدنيا أزهرت من جديد.!ولكن …وقبل نهاية الحلم ..ألتّفتُ حولي ..فلم أر أولادي….ولاأولاد جاري أبو علي ..ولاإبن صديقي …ولا ذلك الشاب الوحيد لإمه المسكينة ..لم أعد أراهم ..أختفت وجوههم الطافحة بالشباب ….أختفت إبتساماتهم المشرقة …أختفت أجسادهم من عالمنا وحياتنا ..صاروا أشباحاً خلف ضباب النجوم ..ذهبوا بعيداًعن عالمنا …وبقينا نحن فيه !!فأستيقظت مرتبكاً ..وأدركت حينها : أن ثمن تحقيق الأحلام باهظ ومكلف ومرير جداً ..!! ورغم ذلك فليكن كذلك ..لإن الحياة الجميلة تستحق منّا أن نضحي لها بأعزّ الأشياء علينا ..!!
مقالات اخرى للكاتب