( صديقنا الذكي د.مؤيد الونداوي استذكر في كلمة اليوم عن احداث تركيا قولا مهما لاحد اساتذته وهو " نحن شعوب فجة نفكر من البطن نزولا ،ولا نفكر من البطن صعودا)...عذرا لمن ياخذه التفكير الى غير ما ارمي،لانني اعرض الموضوع للمناقشة..قضية تتمثل في اهمية الفكر الذي يمثله (ما فوق البطن) وبين الشهوات التي تمثلها ما تحت البطن.فلمن الغلبة في عالم اليوم عند العراقيين؟
اطمح برأي للصديق د. قاسم حسين صالح...في هذا الموضوع الحيوي).
تلك كانت للصديق الاعلامي المعروف (زيد الحلي) التي نشرها في الفيسبوك بتاريخ 17 تموز.
وقبل ان ندلي برأينا،لنطلع على بعض التعليقات ففييها ما يشير الى انها قضية جديرة بالمناقشة فعلا.
· في قول للفيلسوف مدني صالح :بعض الناس عبارة عن انبوب توصيل بين البطن والمرافق الصحية(د.عبد السلام العاني).
· موضوع قيم للنقاش فقد تكون الغلبة لمن يفكر من البطن نزولا..وهم كثرة ومنهم من يفكر من البطن صعودا..يأكل لينتج الافكار وهؤلاء قلّة للاسف في بلدي(تحسين علي).
· نحن شعوب لا تستحق الحياة،نفكر بما هو سهل المنال،الجنس.وللاسف فنحن نضعه في اسفل الدركات في حين هو قيمة عالية موسومة بما خلق الله(محمد علي اسود).
· مهما تكن ملذات ما تحت البطن قوية ومؤثرة،لا يمكن لها ان تتغلب على ملذات ما فوق البطن(عبد الكريم ياسر).
· نعم نحن شهواتنا تغلب على عقولنا وما آفة الفساد الا نتيجة ذلك(عدي الخالدي).
· الدكتور الونداوي يستهزيء لكنها حقيقة كل انسان وهو منهم،فلماذا نتهم الاخرين بشيء فطرنا عليه ،فلولا البطن وما تحتها لما كنا ولا صنعنا شعوبا تحب ان تتفلسف بالحقائق(مؤيد السعدي).
· انا اختصاصي بعلم الفسلجة الطبية وبالذات فسلجة القلب والاوعية الدموية والجهازين الذكري والانثوي. رغم ان موضوع تحت البطن وفوق البطن لا يمكن الا ان ينطبق على ما منعتنا من التحدث فيه، فثق ان ما تحت البطن هو العامل الرئيسي في تشغيل ما فوق البطن..ولكم تفسيره كيفما تشاءون(د.محمد العبيدي).
· مهما تكن ملذات ما تحت البطن قوية ومؤثرة لا يمكن لها ان تتغلب على ملذات ما فوق البطن كون هذه الملذات منطقية وتحدد المصير لذا هي الاقوى والاكثر تاثيرا(عبد الكريم الزيدي).
· كلام دقيق، فقد سمعت قولا لاحد الصالحين (دينكم دنانيركم وقبلتكم نساؤكم)فالدينار يجلب كل ما هو مادي وليس فكري وروحي فيهتم العرب بما هو مادي وتغذية بطونهم.وكما قال الله تعالى"زيّن للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطر المقنطرة من الذهب والفضة"(وليد الانباري).
*
تقتضي المناقشة العلمية لموضوع كهذا أن نستعرض ما قاله كبار علماء النفس،ولأنها كثيرة فأننا سنختصرها بنظريتي الدوافع والحاجات..بمعنى ان اختلاف سلوك الناس يعود الى اختلافهم في الدوافع التي تحرّك سلوكهم،والحاجات التي يسعون الى تحقيقها.
وعلى وفق نظرية شيخ النفسانيين (فرويد) فان دافع الجنس هو الذي يحرّك السلوك.اذ هو يعتبر الغريزة الجنسية (السيد المطاع الذي يسيطر على الافراد والامم ،وكثيرا ما يتوقف تاريخ الشعوب والأسر على الأهواء التناسلية).وقد أيده (رايش )الذي كان عضوا في الحزب الشيوعي النمساوي ثم عضوا في الحزب الشيوعي الألماني الذي قرر طرده باعتباره مضادا للثورة.واتفق رايش مع فرويد على ان الجنس له الدور الاول في حياة الانسان والتطور الاجتماعي،وذهب الى ابعد من ذلك بأن عزى سبب الحرب العالمية العظمى الى الحياة الجنسية غير المشبعة للقيصر وللارستقراطية.
وتأسيسا على وجهة نظرية فرويد فان الصراع بنوعيه الذاتي والموضوعي هو صراع ذو سبب جنسي، وان اي قهر او استغلال يصيب الانسان لا يساوي شيئا امام الحرمان الجنسي!.بمعنى ان الانسان عند فرويد كائن بيولوجي اكثر منه اجتماعي..وكانت مغالاته في الجنس هي العامل الرئيس الذي انفرط بسببه عقد ثلاثي التحليل النفسي (فرويد يونك ادلر).
وبعكس وجهة نظر فرويد التي ترى ان علاقة الفرد بالاخرين هي دائما وسائل لارضاء الدوافع البيولوجية (تحت البطن) فان اريك فروم صاحب كتاب (الهرب من الحرية)اعتبر الدوافع التي تحدد الاختلافات بين سلوك وشخصيات الافراد كالحب والكره والجنس والخوف هي جميعها (منتجات اجتماعية).
ولعالم النفس (ماسلو)رأي مختلف في نظريته الدافعية، اذ وضع الحاجات الفسيولجية(ما تحت البطن) في قاعدة هرم الحاجات،واعتبر الحاجة الى الطعام والشراب والنوم والجنس هي اكثر الحاجات اساسية وقوة،وانها يمكن ان تقف في طريق الحاجات المعرفية (ما فوق البطن).غير انه اشار الى حالة مهمة هي ان من يتوقف عند حاجات (ما تحت البطن) يكون شخصا عصابيا..مريضا نفسيا،فيما الذي يواصل السعي نحو الحاجات المعرفية (ما فوق البطن) يكون سليما نفسيا وقادرا على تحقيق ذاته..وضرب لنا مثلا عن المحققين لذواتهم:ابراهام لنكولن،توماس جيفرسن،البرت انشتاين،الينور روزفلت ،جين آدمز،الدوس هكسلي،سبينوزا..وآخرين.
غير ان ماسلو اشار الى ان اشباع الحاجات الاساسية يتطلب توفير ظروف مناسبة حددها بـ: (حرية الكلام،حرية ان يفعل المرء ما يرغب فيه ولا يسبب اذى للآخرين،حرية الدفاع عن النفس،العدالة،الصراحة والصدق،ونظام يسود الجماعة).
وفلسفيا،كانت المسألة الاساسية في كل فلسفة هي علاقة الفكر بالكائن البشري.ويعد ماركس من اشهر الذين اكدوا على ان قيمة الانسان تكون في تحقيقه لحاجات (ما فوق البطن)،وقوله توصل بأن حقيقة الإنسان هي انه مادي وواقعي وحسي وموضوعي، وانه خلق بقدرات طبيعية مما يعني أن لديه أهدافا للتعبير عن حياته.وافترض بأن الفرد يعمل على أن يؤثر أولاً على واقع والأشياء المادية في بيئته ليتصالح مع أهدافه المتنافرة (المغتربة).
غير ان الفلسفة الوجودية تعدّ الأوضح ،حديثا،في توكيدها على حاجات (ما فوق البطن) لكونها ركّزت على (محاولات الشخص لان يجعل معنى لوجوده ،ثم يتولى مسؤوليته عن افعاله الخاصة كلما حاول ان يحيا طبقا لقيمه ومبادئه).
ومن فلسفة هايدجر وسارتر تحديدا ظهر علماء نفس وجوديون بينهم ملحدون وآخرون مؤمنون..اكدوا على ان الشخص الاصيل هو ذلك الذي يجعل لوجوده معنى وان يصل الى مستويات عالية ورفيعة من الوعي والتفرّد والشجاعة والتحدي،تميزا له عن الشخص غير الاصيل الذي يهتم بحاجات (ما تحت البطن) ولعب ادوار مقررة اجتماعيا..وهم بهذا يتفقون مع (ماسلو) بان الشخص غير الاصيل يكون (مريضا نفسيا) لأنه تسيطر عليه مشاعر من عدم الجدوى من حياته وفقدان الامن.
في الحلقة القادمة ،نجيب عن تساؤل الصديق (زيد الحلّي):( فلمن الغلبة في عالم اليوم عند العراقيين،في قضية ما تحت البطن وما فوقها؟).
مقالات اخرى للكاتب