على الرغم من الازمة المالية التي يعيشها العراق، الا ان حجم انفاق الفرد العراقي على السلع والخدمات لا يزال مرتفعا، اذ وصل معدل الانفاق الى 88% من الدخل الشهري، بحسب اخر احصائية لوزارة التخطيط، مع ذلك فأن الانتاج الزراعي والحيواني، يشكل 25 بالمئة من حجم الاستهلاك السنوي للفرد العراقي، ما يعني ان معظم مدخولات النفط، من العملة الصعبة تعود لتخرج على شكل استيرادات مختلفة.
ووفقا لمعلومات مؤكدة، فأن الحكومة انفقت على مدى الاعوام الماضية ما يقارب 321,6 مليار دولار او ما يعادل 57% من اجمالي واردات النفط العراقي من اجل استيراد سلع وبضائع مختلفة من خارج البلاد.
وتحاول الحكومة منذ الانهيار الكبير الذي شهدته اسعار النفط منتصف 2014 "محاربة الفساد" و"السيطرة على الإنفاق العام"، في وقت لا تزال الواردات النفطية دون رواتب الموظفين والمتقاعدين، يقابله ارتفاع اضافي في الانفاق الحكومي بسبب استمرار الحرب ضد تنظيم "داعش".
وفيما يتعلق بالواقع التنموي فأن الحكومة تطلق بين مدة واخرة خططا وستراتيجيات قصيرة ومتوسطة وطويلة الامد للنهوض بالواقع الاقتصادي في البلاد، الا ان تلك الخطط والستراتيجيات لم تفلح في تنمية الواقع الاقتصاد العراقي، حيث لا تزال نسب مشاركة القطاعات الزراعية والصناعية في الناتج القومي "متدنية"، مع ارتفاع كبير في معدلات الفقر والبطالة.
المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي يقول ان "الجهاز المركزي للإحصاء الذي يتابع الاسعار شهريا للسلع والخدمات والتي تمثل نسبة 88% من حجم الانفاق الفرد شهريا تعتبر كبيرة"، مبينا ان "هذه النسبة تعطي مؤشر على قدرة الفرد للانفاق في هذه المجالات".
وأضاف ان "باقي النسبة والمتمثلة بـ 12% تتعلق بالإنفاق في تفاصيل اخرى اقل اهمية ومن بينها ايضا الادخار"، مشيرا الى ان "المواد الاساسية للسلع والخدمات تتمثل في المواد الغذائية والصحة والتعليم والترفيه وغيرها من الامور الاخرى التي تتعلق بحياة الفرد اليومية".
وفي ما يتعلق بخطط التنمية اشار الهنداوي الى ان "الوزارة تعمل على اعداد الاستراتيجية الوطنية للتخفيف من الفقر للسنوات 2017- 2021"، مبينا ان "كبار المسؤولين العراقيين وخبراء دوليين ووفدا من البنك الدولي يشاركون في اعدادها".
وأضاف ان "الاستراتيجية التي من المؤمل ان تطلق بداية العام المقبل 2017 تاخذ بنظر الاعتبار التحديات والظروف التي عاشها العراق خلال الخمس سنوات الماضية والمتمثلة بالظروف الامنية المتمثلة بظهور داعش وما تلاه من موجات نزوج، اضافة الى الاقتصادية المتعلقة بانخفاض اسعار النفط"، مشيرا الى ان "هذه المشاكل ادت الى ارتفاع نسبة الفقر من 15% الى 22.5%".
وتابع عبد الزهرة، ان "الاستراتيجية الجديدة ستركز على قطاعات ومحاور مختلفة منها تحسين السكن والتعليم والصحة وغيرها من الامور المتعلقة بحياة الفقراء، اضافة الى مساعدة النازحين لان نسبة 36% من الفقر كانت بين هؤلاء النازحين".
من جانبه، يقول عضو لجنة الزراعة والمياه والاهوار النائب عبد الهادي خير الله، امس الاربعاء ، ان "العراق يستورد اكثر من 75% من الخضراوات والمنتجات الحيوانية من الخارج".
ويضيف خير الله، ان "هذه الزيادة في الاستيراد تمثل ضربة للاقتصاد العراقي"، داعيا الى "عدم استيراد الخضراوات في موسم زراعتها بالعراق كما حصل مع عدة محاصيل".
وبخصوص خطوات الحكومة لدعم القطاعات غير النفطية، يقول الخبير الاقتصادي باسم جميل انطون في اتصال مع "العالم"، امس ان "العبادي ومنذ تسنمه رئاسة الوزراء طرح برنامجه الاصلاحي، وكانت النقطة الاساسية فيه، العمل على زيادة الايرادات وتقليل النفقات، من خلال تفعيل دور القطاع الخاص والاعتماد على القطاعات الانتاجية كالزراعي والصناعي والسياحة، لكن لا تزال تلك الخطوات حبر على ورق".
ويضيف، ان "عملية الاصلاح لم تسر بشكل جدي وسريع بمستوى الازمة وضخامة المشكلة"، وان الفساد لا يزال يشكل حجر عثرة، امام الاصلاحات الاقتصادية، كما ان الارادة السياسية غائبة في تبني قرارات اقتصادية.
انطون حذر من "الاستمرار في عملية تغطية الموازنة التشغيلية من القروض سواء كانت داخلية او خارجية"، لافتا الى ان ذلك "سيخلق مشكلة كبيرة خلال السنوات المقبلة، حتى ان ارتفعت اسعار النفط". وفي ما يتعلق بارتفاع حجم الانفاق الاستهلاكي للفرد، اكد الخبير الاقتصادي أن "ذلك يتطلب شيوع ظاهرة الادخار، مع استحداث نظام مصرفي قادر على جذب الزبائن، من خلال الفوائد والخدمات التي السعي الى دعم القطاع الخاص الحقيقي".
وكان رئيس الوزراء حيدر العبادي اكد السبت الماضي "نحذر من الإنفاق العام بشكل كبير"، مشيرا إلى أن "الحكومة خفضت الإنفاق ومستمرة في تخفيضه لان الإيرادات النفطية لا تكفي لسد الأساس فما زالت الواردات النفطية دون رواتب الموظفين والمتقاعدين".
وشدد العبادي على اهمية "ضبط الإنفاق في جميع المشاريع بشكل دقيق"، لافتا إلى أنه "حينما ننفق في أي جانب علينا أن نتابع هذا الإنفاق فلا يجوز ان تكون الجهة التي تنفق هي نفس الجهة التي تراقب المشاريع".
واشار الى، ان "مجموع الخسائر التي سببها تنظيم (داعش) في العراق باستثناء مدينة الموصل يصل الى 35 مليار دولار ما عدا الكلفة البشرية التي خسرها العراق في هذه الحرب". وأضاف العبادي، أن "الحكومة العراقية تمكنت من كشف الكثير من حالات الفساد في بعض المشاريع المتلكئة في أغلب المحافظات العراقية"، داعيا إلى "كشف المزيد من هذه الحالات ومحاربة جميع الفاسدين".
مقالات اخرى للكاتب