سنتحدث اليوم عن تصدير النفط العراقي وإعادة إستيراده .
فالفرق بيننا وبين العالم الخارجي اننا نلهو يومياً بإحراق الغاز الطبيعي في حقولنا وضواحي مدننا , ونمارس هذه الملهاة بدم بارد حتى يومنا هذا, في الوقت الذي تحرص فيه الأقطار الأخرى على استثماره في مشاريعها التنموية , ولا تفكر بإحراقه إلا عندما يحين موعد إشعال الشعلة الأولمبية في ملاعبها ومدرجاتها الرياضية .
والفرق بيننا وبينهم إنهم يشترون نفطنا ثم يبيعونه إلينا بأضعاف سعر شرائه , فنستورده منهم على شكل منتجات ومشتقات وزيوت وغيرها , لذا فإننا سنعتمد التقويم الأولمبي في تحديد المسار الزمني للغازات الطبيعية المهدورة في أجواء العراق , وتوثيق المدة التي قطعناها حتى الآن في استيراد المشتقات النفطية .
قبل سنين ليست بعيدة كان العراق من الأقطار المصدرة للمشتقات النفطية بكل أنواعها , وعنده من النفط الخام مايكفي لملئ حوض الخليج العربي بنفط كركوك ونفط خانقين وباباكركر وجمبور ومجنون والرميلة وعين زالة وبزركان , ناهيك عما تحويه حقولنا المكتشفة حديثا من ثروات نفطية منحها رب العباد لهذه البلاد , لكننا لا نريد البوح بها خوفا من عيون الحاسدين والطامعين والمتربصين والمهربين .
فقد كنا قبل عام واحد من انطلاق دورة الألعاب الأولمبية في أثينا نصدر المشتقات النفطية بكميات هائلة , وكان عندنا قبل دورة ألعاب موسكو (1980) أسطول كبير من الناقلات البحرية المتخصصة بنقل المشتقات من أرصفة المفتية بالبصرة إلى موانئ العالم , ثم جاء الحصار الاقتصادي المفروض , فكانت المنتجات النفطية هي السلاح البحري الذي لجئنا إليه لخرق الأطواق التي فرضتها الأساطيل الغربية على منافذنا الملاحية , فتحول ميناء (أبو الفلوس) بالبصرة بين ليلة وضحاها من ميناء تجاري إلى ميناء نفطي متخصص بتصدير المشتقات النفطية بمعدل (24) ساعة باليوم وبكميات فلكية لا يصدقها العقل , فأقبلت عليه الناقلات الجريئة من كل حدب وصوب وبمعدل عشر ناقلات كبيرة باليوم وفجأة استعادت الممرات الملاحية في شط العرب حيويتها التي فقدتها عام 1980. وإنبرى المرشدون البحريون لنوبات الإرشاد المكوكية المرهقة المتكررة من أبي الفلوس إلى الخليج , ومن الخليج إلى أبي الفلوس .
وما أن بدأت الاستعدادات لافتتاح دورة الألعاب الأولمبية في أثينا حتى تحول العراق فجأة من دولة مصدرة للمشتقات النفطية إلى دولة مستوردة لها على أمل أن تباشر الأطراف المعنية بإصلاح الأضرار التي تعرضت لها المصافي في الشمال والجنوب والوسط .
وانتهت دورة أثينا (2004), ثم جاءت دورة بكين (2008) وانتهت هي الأخرى من دون تغيير , وانتهت أخيراً دورة لندن (2012) لكن سياقات الاستيراد ظلت عندنا على ما هي عليه حتى يومنا هذا, على أمل أن تتحسن أوضاعنا قبل حلول دورة الألعاب الأولمبية المزمع إقامتها في ريو دي جانيرو عام (2016) .
لقد توسعنا الآن في تصدير النفط الخام عبر كل المنافذ البحرية المحلية والبديلة لكننا توسعنا أيضا في استيراد المشتقات النفطية (زيت الغاز والبنزين والكيروسين) , ومازلنا نصدر النفط ونستورد مشتقاته , نصدره لنستورد منتجاته , وجرت العادة على هذا المنوال في متوالية مرفوضة لكنها مفروضة , فرضتها علينا الظروف التي لا علم لنا بها على الرغم من انقضاء ثلاث دورات أولمبية تكررت كل أربعة أعوام على مدى عشر سنوات تقريباً .
يقولون ان مبالغ استيراد المشتقات النفطية تجاوزت المليارات لسد النقص في الطلب المحلي لكننا لا ندري بالضبط ما هي تكاليفها وكمياتها , ويقولون إننا نستوردها من دول الجوار لتشغيل المحطات الكهربائية التي لم تجهز العراقيين بالكهرباء الكافي ليشعروا بآدميتهم , لكننا لا ندري بالضبط ماالذي يمنعهم من استعمال الغاز الطبيعي الذي ينتحر بالعراق عموماً والبصرة خصوصاً في الهواء الطلق منذ عقود وعقود .
ويقولون ان كميات الغاز المنتحرة يومياً في أجواء العراق تقدر بحوالي (34) مليون متر مكعب , وهنا أقول أن قلوب العراقيين تحترق يومياً حزناً وقهراً وكمداً على هذه الثروات الوطنية المهدورة , ويقولون ان وزارة الكهرباء تعاقدت مع إيران على مد أنبوب لتجهيز الغاز إلى محطتي الكهرباء في مدينة الصدر والراشدية ببغداد في الوقت الذي تضع فيه وزارة النفط خططا لتصدير الغاز إلى تركيا والأردن وأوربا , والحقيقة إننا لا نعرف شيئا عن مبررات ومسوغات هذا التناقض والتداخل والتقاطع والتخبط , ولا نعرف من هو المستفيد ؟
ومن هو المقصر ؟, ومن هو العاجز ؟, ومن هو الفاشل ؟, ومن هو المهمل ؟, بانتظار أن ترصد وزارة التخطيط العراقية هذه الفجوات والثغرات والهفوات وتعلن عن الكلفة الحقيقية للمشتقات المستوردة من ذلك اليوم وحتى هذا اليوم , وتحدد بالضبط حجم الغاز الطبيعي المهدور , ونعرف منها الأسرار المرتبطة بعدم إنشاء مصاف نفطية وطنية في كل محافظة , أو أسباب عدم منح القطاع الخاص التراخيص اللازمة لإنشاء المصافي الأهلية على وفق السياقات الاستثمارية العالمية المثمرة.