حتما فان الذين تعودوا على الانصات الى " قرآن الفجر " من إذاعة القاهرة في مسجد سيدنا الحسين(ع)، يعرفون ذلك الرجل الذي يحمل معه المبخرة متجولاً بين المصلين في المسجد ممن ينصت بشغف وشوق وهيام لعبد العزيز حَصَّان رحمه الله وغيره من كبار قرّاء القرآن الكريم، ومردداً بلهفة وحب بعد كل شوط قرآني ساحر: صلّوا على الحبيييييب ، مادّاً الياء بمقامِ لحنٍ يرفعك من هذه الأرض الدنية لتصبح في السماء.
في تلك الأيام .. كنتُ معارضاً وبقوة لفكرة التعاون مع أمريكا لاسقاط نظام صدام "غير المأسوف عليه طبعاً". وكنتُ أتحدث كل ليلة تقريباً في قناة "سحر" الايرانية ، محذراً من مستقبل مظلم قلتُ إنه ينتظر العراق إذا سقط النظام بطريقة الغزو العسكري. وذات ليلة وكان الحوار يدور حول مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في لندن منتصف كانون أول ديسمبر 2002 برعاية المتوكل على "ربه" السفير الأمريكي "زلماي خليل زادة"، وتداخل معي أحد المشاركين في ذلك المؤتمر " سيء الصيت " وهو مسؤول العلاقات الدولية في المجلس الأعلى للثورة الاسلامية بالعراق (صار إسمه بعد "التحرير" المجلس الاسلامي الأعلى حيث إختفت "الثورة " بعد أن روضها الكاوبوي زلماي)....فماذا قال المهندس شهاب؟
لقد نفى الأخ أبو عمّار نفياً قاطعاً أن يكون لزلماي خليل زادة أي دور في ذلك المؤتمر أو المؤتمر وأكد أنه عُقد بكل تفاصيله وتمويله من قبل المعارضين العراقيين أنفسهم.
وطبعاً ولأنني كنت ملماً تماماً بكل شاردة وواردة وكل ما جرى في لندن حيث كانت تأتيني الأخبار من حاضرين منهم طبعاً صديقي الشيخ الجميل جمال الوكيل، فقد اكتفيت بالرد مستنكراً وأنا أتذكر "قرآن الفجر":
- طيب .. وماذا كان يفعل زلماي خليل زادة هناك؟. هل كان يبخر المؤتمر مصلياً على " الحبيب" بوش، أم أنه كان يوزع "إستكانات الشاي" على المجتمعين وفيهم حجج الاسلام ، وإسلاميون طالما استمعوا الى مايشبه " قرآن الفجر " في الحسينيات والمساجد، عندما كانوا يبشرون فيها بانتصار "الثورة الاسلامية"؟!...
قلت أيضاً: إن كل الاجتماعات العلنية والسرية كان زلماي خليل زادة يديرها. بل كان يحصي على المشاركين أنفاسهم، ويضبط لقاءاتهم الجانبية (ويوزع لهم ملَبَّس وحلّال مشاكل ممثلاً عن جورج بوش)، وبوجود مسؤولين أميركيين من "سي آي أي" ومن وزارتي الخارجية والدفاع، وكلهم كان حاضراً أيضاً في إجتماع صلاح الدين بكردستان، وهم من أسكت مطالبات المجتمعين سواء في لندن أو صلاح الدين(فبراير) بتشكيل حكومة مؤقتة ...بالرفض!.
والمحزن في كل النفي الذي كان يصدر عن المجلس الأعلى ( ليش أعلى لا أدري) عن تعاونهم مع أمريكا فيما كان ممثلوه في لندن وجنيف وغيرها "خرّي مري" على واشنطن، وهو ساهم مع مام جلال طالباني في إيجاد تعاون إيراني أمريكي لاسقاط صدام.
وأذكر أيضاً أن الكثير من المتداخلين آنذاك في قناة "سحر"، ومنهم السيد النائب (السابق) لرئيس الجمهورية عادل عبد المهدي ، كانوا يصرون تصريحاً وتليمحاً أقوى من التصريح على تبرير أن إسقاط نظام صدام لن ينجح بدون الاستعانة بالخارج والاستقواء به (وينكرون الاتصال بأمريكا)، بينما كنتُ أنا أحذر من أن إسقاط النظام لن يتم بالليزر وإنما بعملية قيصرية، تخلف دماءً وقتلى وفوضى. مستنداً الى آيات من سورة " الفجر" في (ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التي لم يخلق مثلها في البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذي الأوتاد * الذين طغوا في البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك سوط عذاب * إن ربك لبالمرصاد)...
ماعلينا...
وللتذكير فقط فان الأخ نوري المالكي كان من الموافقين على الانضمام الى مؤتمر لندن فيما كان ابراهيم الجعفري من الرافضين الالتحاق بالركب تحت راية السيد محمدباقر الحكيم الذي كان يريد تمثيل الشيعة، مفضلاً لقاء السفير الأمريكي في لندن وبعد ذلك الى خيمة "زلماي".
اليوم .. وبعد كل تلك السنين العجاف الضاجّة بالقتل والتفجير وإغتيالات الكواتم والذبح والسلخ على الطريقة "الاسلامية" منذ سقوط صدام، وهي نتيجة طبيعية لانضمام المعارضة الى المشروع الأمريكي المدعوم بريطانياً بقيادة زلماي "الجزار" في تقسيم للحصص بدءاً من مؤتمر لندن.
-تُرى هل لازال إخواننا في المجلس مؤمنين أن دور زلماي خليل زادة، ومن خلفه بعده أو جاء قبله كان منحصراً في توزيع البخور والصلاة على الحبيب، أم ليقود العراق ويتحكم في ضبط إيقاع تقاسم الحصص، وهو ما شاهدناها مؤخراً أيضاً في إجتماعات ممثلي البيشمركة الأكراد ومسؤولين من وزارة الدفاع في بغداد، وفي الزيارات المكوكية التي قام ويقوم بها السفير الأمريكي في العراق لهذا الزعيم أو ذاك في خضم تصاعد أزمة "عمليات دجلة"؟!.
جماعة: صلّوا على الحبييييبيب.
اللهم صلَّ على حضرة النبي . مدُّوا الياء كما يفعل مبخر "قرآن الفجر".
مسمار :
الثور فرْ الثور فرَّ من حظيرة البقر
الثور فرْ
فثارت العجولُ في الحظيرة
تبكي فرار قائد المسيرة
(...)
وبعد عامٍ وقعتْ حادثةٌ مثيرةْ
لم يرجعِ الثورْ
ولكنْ ذهبتْ وراءهُ الحظيرةْ
" أحمد مطر"