كنت قاصدا كربلاء لزيارة الأمام الحسين.وضعنا السيارة في الكراج وتوجهنا نحو الضريح مشيا.كان الطريق بعيدا والجو حارا فاقترحت احدانا ان نركب ستوته خصصت لنقل الزائرين لاسيما النساء والعجزة..اطعتهن واجرنا ستوتة بثلاثة آلاف دينار ،وعدنا بها بعد انتهاء الزيارة ،والتقطنا لانفسنا بداخلها صورة..في الواجهة..زميلتي دكتوره خريجة امريكا تعمل حاليا استاذة باحدى كليات جامعة بغداد..كانت بعد ان لبست العباءة السوداء بدت فيها اشبه بلوحه عنوانها(البائسة)،والأخرى بعدها شابة لبست نظارة كبيرة لتخفي بها دموعها.
كان منظرنا ونحن في الستوته قد اثار سخريتي ،ولأنني في الأصل شطراوي ومن اهل الحسجة فقد رحت اقول فيها شعرا شعبيا:
بعد ذيك المهابة اركبنه ستوته& ياحظنه المصخم جانت وين مختوته!
و(مختوته لفظة ايرانية تعني :مخطوطه..مكتوبه!).
كان احد اهم اهدافي من الزيارة ان اتعرف على الناس ميدانيا بوصفي باحثا علميا معنيا بالظواهر الا جتماعية،اذكر لكم منها ثلاث حالات:
الأولى: شهدت (ركضة طويريج)..وحين رأيت الجموع الحاشدة باعمار مختلفة،تستقبلها على ارصفة الشوارع نساء باعمار مختلفة ومعهن اطفال ايضا،كتبت حينها مقالة قبيل الانتخابات كانت بعنوان (ايها العلمانييون..بعد ركضة طويريج..اغسلوا ايديكم)..وقد غسلوها فعلا..وسيظلون يغسلونها مادمت خطاباتهم كلاسيكية نخبوية،ووسائل اعلامهم متخلفة.
الثانية:كنت جالسا في ضريح الأمام علي فرأيت ريفيا بعقال ويشماغ في ستينيات عمره يحمل طفلا بعده في اللفة.تقدمت نحوه ..سلمت وجلست.
قلت له :اكيد المحروس ابن ابنك وجاي تزوره الأمام
وبعد ان اجابني مبتسما فرحا وانه اسماه (جعفر)..حدقت بوجهه بنظرة الحائر وقلت:
-والله ياحجي،انا محرج اسألك..الحقيقة انا والدي من طائفة ووالدتي من طائفة،ولقد صليت لوالدي على طريقته مسبل اليدين،اريد ان اصلي للوالدة على طريقتها..بس أخاف لا..
وقبل ان اكمل اجابني:
+ وليش تخاف ..كلنا اسلام والحمد لله
-يعني اكيد امان امان
+طبعا.ثم استثنى مضيفا..بس لو تصلي على طريقة والدك اهوايه افضل واثوب
-شلون يصير ياحجي مو الولده راح يصير بخاطرها وآني حيل احبها
+ابد اصلا هي راح تشكرك وتبارك لك
-لا حجي ما يصير..الواجب لازم اصلي لكل واحد طريقته..وكل الأريده منك..راح اصلي بصفك وبضمانتك.
ابتسم الرجل وحمل حفيده وقال..مع السلامة ..اودعناكم.
الثالثة:
كنت كتبت مقالة بعنوان (الزيارت المليونية- دراسة نفسية سياسية) نشرت في المدى ومواقع عراقية وفي كتابنا (اشكالية الناس والسياسة في المجتمعات العربية) وموجوده في النت حاليا..تلقيت عليها تهديدات ألطفها جاء بعبارة واحدة(وين تروح من عدنا دكتور قاسم).ومع ان هذه التهديدات كانت منشورة في التعليقات تحت المقال،فانه لم ينتصر لي احد من العلمانيين سوى واحد من خارج العراق هو الدكتور عزيز الحاج رغم ان الرجل لا يعرفني..خلصت منها الى ان التضامن بين الاسلاميين اقوى منه بين العلمانيين..وقد يكون هذا احد اسباب ضعفهم.
شكرا للستوته..فلولاها لما كان هذا المقال..الذي ينتظر تعليقاتكم.تحياتي
مقالات اخرى للكاتب