فكرنا و توقعنا اننا سوف نرى الخير (ليس اجيالنا الحالية و انما البشرية) بعد معاناة انسانية طويلة الامد، و قلنا لقد سار العالم نحو الانفتاح و مالَ الى الانسانية في الفكر و التوجه الى حد ما و استبشرنا خيرا للمستقبل البعيد لاجيال اتية من المؤمل ان تنعم بالحرية و التعايش السلمي بعيدا عن الاحتراب و البغضاء، فلمسنا انهم يتعايشون في ظل صراع ناعم و ينتجون ما يفيد البشرية في نهاية المطاف بعد الانتقال و العبور من المراحل الاجتماعية الانسانية بسلاسة و بشكل طبيعي، دون العودة الى التشدد و الاصولية بجميع انواعها .
بعد انهيار الاتحاد السوفيتي لاسباب عديدة و ليس على اساس احقية و صحة النظام الراسمالي المصارع له، قلنا لا ضير في اعادة تنظيم الذات او تصحيح المسار و ازاحة سلبيات الانحرافات التي حدثت بسبب التطبيق الخاطيء او التدخلات المصلحية سواء من المنفذين ذاتهم ضمن حركة اليسار العالمي ام المتصارعين او الاعداء المتربصين لكسر الاركان التي تبنت عليها اليسارية بنيانها . فانتظرنا كثيرا و اكتشف الجميع بان النظام الراسمالي لم يكن لهم بديل مناسب، فاصبح مما يدعيه اليسار فكرا و فلسفة و منهجا حقيقيا لابد السير عليه مهما طال الزمن بالمرحلة الفوضوية الحالية، و لم يكن لديهم ما يعوض عن الافتراءات التي ادعوها و ساروا عليها لتقويض ما كان يمكن ان يثبت عليه اليسار، رغم الاخطاء التي ارتكبها اثناء مسيرته طوال العقود، فاستندت الراسمالية على النفس البشرية و الطموحات الشخصية و عدم اكتمال البنيان الفكري السليم الذي لا يبنى بسهولة وفق ما يفيد الجمع البشري، فاستغل النظام الراسمالي الهفوات و الثغرات و الاخطاء و الشواذ من القادة التي ادعت اليسارية و هم في نخاعهم راسماليون و برجوازيون الى الصميم و اوصلوا الناس للفوضى العاملية الحالية .
استغل القطب الراسمالي الجشع كافة الطرق المتاحة امامه من اجل الطاحة بخصمه و فعل و كان على حساب الانسانية شرقا و غربا، و سيكتب هذا الواقع الاجيال المستقبلية بعدما يكشفوا زيف الراسمالية بشكل كامل و التي لم تسر الا في قنوات ضيقة لمصالح معينة و من اجل ما يهم مجموعات صغيرة على حساب الاخرين على العكس من الفكر اليساري الحقيقي الذي لا يهمل احدا او طرفا و لا يمكن ان يكون لصالح طرف ما على حساب الاخر و هو من الجميع و للجميع و لصالح الجميع، و يكون عبر تسلسل التطور الاجتماعي العام للوصول الى المرحلة الشيوعية التي لا مفر منها .
اما ما نحن نريد ان نبينه هنا هو داء العصر الذي يعتمده الناظم الراسمالي المسيطر في هذه المرحلة الفوضوية غير الثابتة، و تُعتبر هذه الآفة حصان طروادة للاجهاز على الفكر الانساني و مصالح الانسان بعيدا عن ما يمت بمصلحة الانسان و حياته و ما يهمه ، انه يستند على الاصولية كسلاح فتاك للنيل من كل ما يفرض على الانسان توجهه الصحيح نحو مستقبله المنتظر البعيد . انها وسيلة سياسية بحتة لم تحوي على فكر او فلسفة كي يغبر احد سبرها لكشف سلبياتها و ثغراتها و من ثم لتلافيها و بيان زيفها للجميع، انها سلاح بيد ما يخدم المصلحة الراسمالية العالمية بانواعها و منها الاسلامية و الليبرالية . فاعتمدت الاصولية من قبل المصلحيين العالميين و انتشرت كآفة خطرة في برهة من الزمن و هي طاعون العصر و تصيب الناس بينما تاكل منها الملوك و تستخدمها كماعون يدر عليهم اكلهم و ثروتهم ليُملو به احشاءهم على حساب خراب الانسانية و مستقبلها
مقالات اخرى للكاتب