لعل أحد أهم المرتكزات الرئيسة التي استندت إليها أفكار ما بعد 2003، فيما يتعلق بكيفية إدارة الموارد النفطية، انطلقت من فكرة أن يتم الإسراع باستغلال هذه الموارد من خلال زيادة الإنتاج والتصدير إلى حدود مرتفعة، بحيث يمكن تغطية حاجات الاستهلاك والاستثمار غير المشبعة، والمؤجلة منذ سنوات الجوع والخراب الماضية..
تسارع لم يكن يتصور أحد انه سيتحول إلى محاولات استحواذ على تلك الموارد، بطريقة يمكن أن تظهر في أشد تجلياتها هذه الأيام في تقطيع أوصال موازنة 2013.
لكن ، وفي نماذج الدول الريعية، التي تعتمد على مورد واحد يستمد وجوده من الطلب الخارجي، يطرح في الغالب، أن يتم (إبقاء) شيء من هذه الموارد للأجيال المقبلة.
الجدل الذي غالباً ما يثار هنا، غير محسوم النتائج في العادة، وينطلق من ثلاثة خيارات جوهرية تتمثل بإبقاء الموارد النفطية ؛ داخل الأرض، من خلال الإبطاء في استخراجها، وبين استخراج هذه الموارد ووضعها في أصول وموجودات ضمن صناديق سيادية، أو إنفاقها بين مجالات الإنفاق والاستثمار وتكوين رأس المال المادي والبشري والبنى التحتية.
خيارات ثلاثة، ولا أصعب!
خيارات، تتطلب بلياتشو سيرك بارع للقفز بينها وتجنب الاكتواء بنيران ما هو سيئ منها .. والسؤال الذي يثار هنا، هل كنا هذا البلياتشو! اقصد هل كان صنّاع القرار في السلطتين، محقين بقرارهم الإسراع في استخراج النفط وضخه إلى جسد الاقتصاد، لتلبية متطلبات المرحلة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية!
شخصياً كنت من الذين شجعوا دخول الشركات النفطية الأجنبية للاستثمار في الاستكشاف والاستخراج، لكن منطلقاتي الرئيسة كانت ولا تزال تنبع من ضرورة الاستعانة بالخبرات الأجنبية في بناء البلد، لذا فانا لا أتحدث عن هذا الأصل، قدر ما يهمني اليوم كيفية التصرف بأموال النفط.
اليوم هناك إحساس، بدأ يتزايد في أوساط مختلفة؛ أكاديمية وثقافية وشعبية، إن استغلال الموارد يذهب إلى مجالات استهلاكية وبمعدلات خطيرة، بحيث أننا نرى أن النفط يحرق فعلياً ولا يعاد تحويل دولاراته إلى ثروة مستقبلية في استثمار وبنى تحتية.. كل ذلك يتحرك على خلفية (العقلية) الحاكمة، التي تظن أنها يمكن أن تقوم بحل كل المشكلات من خلال زيادة التخصيصات، ما نراه يظهر بالقول إنها الميزانية الأكبر في تاريخ البلاد ، واتجاهات نفقاتها وعجزها نحو التزايد المستمر.
الحق أن خيار الاستخراج لا مفر منه، في حين أننا لا بد أن نعترف بفشل من وليناهم علينا في خيار الموائمة بين حاجات الاستهلاك والاستثمار، بحيث تحول جلّه إلى حرق للدولارات وليس إعادة إنتاجها..
سوء التصرف في إدارة أموالنا، واعتبارها غنيمة لا بد من تقاسمها، مقابل عدم وجود رؤية واضحة لاستغلالها بشكل أمثل يعني أننا لن نبقي شيئا للأجيال القادمة، الأمر الذي يحتم أن نراجع خيارنا المتبقي والمتمثل بضرورة حفظ حصة من تلك الموارد واستثمارها في صناديق سيادية وادخارية، بحيث نحافظ على (ماء وجه) نفطنا.
مقالات اخرى للكاتب