نظام السلة الواحدة المنوي تنفيذه من قبل وزارة التجارة، كآلية لتوزيع مفردات البطاقة التموينية، يحمل كما أشار الكثيرون مجموعة كبيرة من الايجابيات، فهو يقلل الهدر ويقضي على حلقات الفساد، ويحسن النوعية ويضبط الجهات المسؤولة الواجب محاسبتها والرقابة عليها، كما أن هناك تجارب عالمية ناجحة في هذا المجال.
وحتى لا أخوض في تفاصيل المفاضلة بين تكاليف النظام الحالي للبطاقة التموينية وتحويلها الى نظام السلة الواحدة، المتفق أنها لصالح الأخير، فاننا يمكن ان نتحدث عن أسباب التأخير، ولم تؤجل مثل هذه المشاريع ولا يستعجل متخذو القرار في تنفيذها والسعي الجدي فيها وذلك برغم أن مجلسي الوزراء والنواب وافقا مبدئيا على المشروع.
الأسباب قد ترتبط بالنوايا؛ المخفية، خاصة ما يتعلق بحيتان الفساد المنتشرة في القطاعين العام والخاص، فهناك تجار في القطاع العام أيضا! إضافة الى تجار القطاع الخاص، برغم ان هناك شكوكا حيال استخدام كلمة (تاجر) بحق الكثير من هؤلاء، فهم في الأصل (مقاولون) يتقاضون عمولات ويمارسون أعمال الوساطة والرشا والمحسوبية.
هؤلاء سيكونون أدوات مقاومة للتغيير الذي يضر بمصالحهم (العليا) في التربح والكسب التي تكون على حساب القيم والناس، وهؤلاء شكلوا منظومة خاصة بهم، تغذى من خلال علاقات مالية مصلحية والأخطر من ذلك أنها مدعومة من أطراف حكومية على خلفيات دينية وقومية في أحيان كثيرة.
آليات تنفيذ مشروع السلة الواحدة تتضمن العديد من السيناريوهات، أولها أن تبقى وزارة التجارة ذاتها هي المسؤولة عن التسلّم والتوزيع، وهذا السيناريو هو الأكثر قربا الى التحقق لكنه الأكثر عرضة الى استمرار مقاومة التغيير المشار لها. اما السيناريو الآخر فهو إحالة المشروع الى المجالس المحلية، وهو الأقرب الى النظام اللامركزي الواجب التطبيق في الإدارة والذي يتلاءم مع الأنظمة الديموقراطية المدنية المتحولة.. لكن هذا النظام ذاته يصطدم بالشكوك بشأن إمكانية المحافظات على تسلّم هذا الملف، بالرغم من وجود نوايا جدية من المحافظات لتسلّم الملف ووجود بنود في موازنة الدولة يمكن توظيفها لذلك.
اقترح، كحل عملي، أن يبقى الملف بيد التجارة لصعوبة تحويله بالكامل الى المحافظات، مع اختيار محافظة أو اثنتين يُحوّل لها مشروع السلة الواحدة، مع دعم هذه المحافظات لإنجاح التجربة، ومن ثم تقييمها ومعالجة الإخفاقات وصولا الى مرحلة تحويلها كليا الى المحافظات.
اقتراح أكثر من محافظة يمكن أن يتم على أسس معينة تخدم المشروع ذاته، كأن يتم الاستناد الى معيار عدد السكان، القرب من المنافذ الحدودية، الاستقرار الأمني، انتشار الفساد، وذلك حتى نضمن دراسة اكبر عدد من العقبات وصولاً الى تخطيها.
كلامي هذا يحتاج قبل ذلك الى عقد لقاءات وندوات ودراسات معمقة من ناس لديهم النية الصادقة في التغيير، لا أن يوكل الى مقاولي مقاومي التغيير ذاتهم.
مقالات اخرى للكاتب