منطقة الكريعات، قُم الصغرى، حي الربيع، الشماسية، الكرادة الغربية، منطقة الجبور، كلّ هذه الأسماء التي أطلقها عليها الناس والدولة قبل وفي زمن النظام المقبور، ولكنّها بقيت (( الكريعات ))، أسماها المقبور صدام لعنةُ الله عليه (قم الصغرى) يوم أقدمتْ قواتُ الأمن والمخابرات على استِباحتِها في أعتى عمليات تفتيشٍ واعتقالٍ عشوائيّ، ومن ثم قتل أكثر من 570 شهيد ذهبوا ضحيةَ الثبات على دينهم وموالاتِهِم لآلِ البيت (ع) ولينتهي بهم المصير إلى المقابر الجماعية في ثمانينات القرن الماضي.

ويوم قام أهالي الكريعات بأكبر محاولةٍ لاغتيال المجرم صدام والتي ذكرَها المجرم برزان التكريتي في كتابه (محاولات اغتيال الرئيس) حيث يضمّ فصلاً فيه بعنوان(محاولة اغتيال صدام من قبل أهالي الكريعات) التي قادها البطل الشهيد ابنُ عمِّنا (علي أحمد الجبوري) والذي أحرِقَ حيّاً فيما بعد أمام عائلته الكريمة، وبعد ذلك أخذ أزلامُ النظامِ البعثيّ ينعتونَ أهالي الكريعات بالخونة، فتم طرد جميع الضباط والموظفين من الدوائر المهمة لكونهم (كريعاويّين)، وبعدها تم حجب أي مشروع خدمي يقدَّم إلى هذه المنطقة المبارَكة، وتم فعلاً في ذلك الوقت إيقاف مشروع مجاري المياه الثقيلة التي كانت شركة هولندية تقوم بتنفيذِهِ، بالإضافةِ إلى منع أي مشروع للكهرباء والماء، كما تمّ إيقاف تبليط الشوارع، وكذلك تم جلب أناس من خارج المنطقة وإسكانهم فيها، في محاولةٍ دنيئةٍ لطمسِ معالمِها وتغيير ديموغرافيّتِها والتجسس على أهلها، وتعدّى الإيغال بالظلم إلى إغلاق جميع الجوامع والحسينيات فيها وإعدام رجال الدين مثل الشيخ الشهيد خزعل السوداني واعتقال الشيخ ناجي النجّار الذي استطاع الهرب إلى مكانٍ مجهول ولانعرف حتى هذا اليوم مصيره، وقبل التغيير قام أهالي الكريعات بالإلتحاق في صفوف المعارضة فشاركوا مشاركةً فعّالةً مع كافة أطياف الشعب العراقي الشريفة وتطوّعوا مع الجيوش التي أسقطت النظامَ البعثي المجرم وذهب منهم ضحايا كثيرون حتى تم التغيير.
وكانت الكريعات الباسلة من المناطق الأولى والسبّاقة التي خرجت عن بكرة أبيها نساءً ورجالاً وشباباً وهم يحملون صورَ شهدائهم البررة الذين تم إعدامهم من قبل النظام البعثيّ البائد واستبشر الناسُ خيراً بالتغيير وحسبوا أنّ القادمين إلى دفّةِ المسؤوليّة سيجعلون من هذه المنطقة جنة عدن كما كانت في الستينات والسبعينات إيفاءً لتضحياتِ أبنائها، ولكن مع الأسف الشديد لم تلقَ المنطقةُ إلّا الإهمال مرةً أخرى حيثُ حين المباشرة بتنفيذ المشاريع الإنمائيّة فيها سرعان ماتوقفت بسبب (الحراميه).

والكريعات اليوم عبارة عن منطقةٍ مهجورةٍ نتيجة توقف المشاريع وعدم مبالاة المسؤولين تجاهَها رغم خروج أهالي المنطقة بعدّة تظاهرات إحتجاجيّة ورغم كلّ التضحيات القديمة التي قدّمَها أهاليها في زمن النظام البعثيّ المقبور ورغم الهجمات الإرهابية التي تعرّضوا لها من قبل البعثيين المجرمين والتكفيريين القتَلَة والتي كانت آخرها قبل أيّامٍ قليلة، والتي وقعتْ في حسينيّة الحاج علي آل باش والتي راح ضحيتها أكثر من خمسين شخصاً مابين شهيدٍ وجريح.

السيد محافظ بغداد المحترم: يرجى منك القيام بزيارة منطقة الكريعات المنكوبة لترى بعينيك حجمَ الدمار الذي حلَّ بهذه المنطقة التي قدمت الكثير ولم تحصل على أيّ شيء، فهل هذا هو الوفاء بالذي خلَّفَه فيكم شهداؤها؟ وأنتم اليوم الأمناءُ على مواصلةِ عهدِهِم؟ إنّ الوفاءَ لشهداءِ الكريعات يُحَتِّمُ عليكُم رعاية أهاليهم الذين تركوهم أمانةً في أعناقِكم فيجب عليكم المبادرة إلى أن تجعلوا من منطقة الكريعات مصيفاً لبغداد كما كانت مصيفاً منذ القِدَم، وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكُم ورسولُهُ والمؤمِنون.