الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق خلف لنا عقبات كثيرة تعيق المسيرة الديمقراطية وتعيق تطبيق الدستور وهي المحاصصة والتوافق وحكومات الوحدة الوطنية, وقد استخدمت هذه الادوات بامتياز لتعيق التطور الطبيعي للعملية الديمقراطية ومبدأ سيادة القانون والدستور واشعال الفتنة الطائفية وصراع التناحر القومي بشكل تجاوزه الشعب العراقي منذ ثورة الرابع عشر من تموز 1958 المجيدة التي رسخت مفهوم المواطنة والولاء للشعب والوطن واطلقت الحريات الفردية ورفعت مستوى الطبقات المسحوقة وكذلك رسخت مبدأ التعايش الديني والقومي, وحتى صدام ونظامه الذي اعطى السلطة بيد فئة معينة لم يستطع احداث شرخ حقيقي في صفوف الشعب.
وأود التركيز هنا على التوافق بين الكتل السياسية الفائزة في الانتخابات والذي يستخدم في الدول الديمقراطية الحقيقية لرفعت البلد ولمصلحة اوسع شريحة من الشعب لانه في هذه الدول يكون الصالح العام والستراتيجية الوطنية هي الهدف الذي من خلاله يمكن للاحزاب والمنظمات السياسة خدمت الوطن والشعب, فاذا ظهر اختلاف في وجهات النظر حول مسألة وطنية مصيرية معينة, أو ظهر هناك تحدي جدي لأمن الوطن أو خطر على العملية الديمقراطية تدعو الاغلبية البرلمانية أو الحكومة عناصر العملية السياسية الاخرين لاتخاذ موقف وطني موحد مؤطر بالقانون والدستور لوضع انجع الحلول لتجاوز هذا الخطر, ولكن في العراق يدعى الى التوافق عندما لا يستطيع الفرقاء الاتفاق حول مسألة معينة تتنافا مع الدستور والقانون فيجلس الفرقاء لايجاد حل يلبي المتطلبات الحزبية والفئوية للفرقاء متجاوزين المصلحة العامة وهذه الحلول عادة ما تكون مؤقتة وعلى المدى البعيد تتضارب مع مصالح الشعب وحتى مع مصالح بعض الفئات المتوافقة, وبالتالي تصبح قنبلة موقوتة قد تنفجر في زمان غير مناسب للجميع. كما ان التوافق في بلادنا دائما يرسخ المحاصصة التي عادة ما تأتي بأناس غير كفوئين لمواقع المسؤلية, اضافة الى الحيف الذي يقع على الشعب من عدم الاهتمام بالأمور التي تخدم تطور البلد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وكما قلنا فأن التوافق يكون مطلوب في البلدان المتطورة للمسائل المصيرية الحصرية, أما في العراق فأن التوافق مطلوب في كل شيئ, فالقوانين لا تسن الا بالتوافق والمشاريع الاقتصادية لا تقام الا بالتوافق والتعداد السكاني لا يجرى الا بالتوافق وتعيين موظف أو موظفة لا يمكن الا بالتوافق......الخ, والمصيبة الاكبر ان هذا المبدأ لم يقتصر على الحكومة المركزية والبرلمان فقط بل انعكس على حكومة وبرلمان الاقليم وحكومات ومجالس المحافظات ايضا, فالكل لا يعتمد على القانون في تسيير الامور الادارية واقامة المشاريع العمرانية وانما يعتمد على مبدأ التوافق حيث كل فصيل يريد ان يضمن حصته من الكعكة.
يجب القضاء على هذه المعوقات ( التوافق, المحاصصة, حكومة الوحدة الوطنية ) واللجوء الى الديمقراطية الصحيحة باقامة حكومات الاغلبية السياسية التي تحترم القانون والدستور وتصرف امور البلاد والعباد وفقا لهما.
مقالات اخرى للكاتب