لا اتذكر العام الذي وهبتنا فيه الحكومة العراقية الموقرة مبلغا قدره مئة الف دينار لكل عائلة عراقية مسجلة حسب البطاقة التموينية ، و يومها استلمت المبلغ و وزعته على افراد عائلتي بالتساوي و حرمت نفسي من عيدية الحكومة، عيدية الكرماء التي لا تغني و لا تسمن، علما ان المبلغ لا يعادل المشقة التي تحملتها حين استلامه. و مع ذلك كان المبلغ شيئا بالنسبة الى العوائل المعدمة و المثل الانكليزي يقول (شئ احسن من لا شئ) فهناك من العوائل من فرحت بهذا الشئ و تمنت استمراره رغم قلته فالملايين من العراقيين يقبعون تحت خط الفقر و يفترشون الارض و يلتحفون السماء و يبحثون في القمامة من اجل لقمة تسد جوعتهم، في اغنى بلد في العالم و شعبه افقر شعب في العالم!!!
اسال المُشرّع كيف تم تعيين مبلغ (المئة الف دينار) و على اي اسس و قوانين! هل قُسم على عدد العوائل العراقية ام على عدد افرادها؟ و هل لدينا احصاء سكاني دقيق ليتم توزيع هذا المبلغ الكبير؟!! مئة الف دينار لكل عائلة عراقية!! مقابل مبالغ ( المركبات المصفحة) و مقابل اجور العمليات للسادة اعضاء البرلمان و مقابل اجور الحج التي صارت سنوية و الله القائل (على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا). اي ان الحج ليس فريضة اجبارية بل هناك شروط اخرى يجب الالتزام بها قبل القيام بالحج! مئة الف دينار عراقي مقابل قرطاسية اعضاء البرلمان التي بلغت (750) الف دينار عراقي لكل عضو برلماني!!! مئة الف دينار مقابل الرحلات و المصالح و المنافع الاخرى، مئة الف دينار مقابل تقاعد عضو البرلمان الازلي أخدم يوما واحدا او شهرا او شهرين!!! مئة الف دينار مقابل الحمايات الحقيقية و الوهمية (الفضائية). مئة الف دينار مقابل القصور الرئاسية و انا لا املك ناقة ولا جملا رغم مُضي سبع و ثلاثين سنة على تعييني في القرى و الارياف و المدن!!! مئة الف دينار و ابنة احد المسؤولين يُسجل دار باسمها ثمنه (4) مليارات دينار عراقي!! متى جمعتها؟ و ما هو عملها؟ مئة الف دينار مقابل كل التسهيلات لاعضاء البرلمان و الرئاسات الثلاث، مئة الف دينار للشعب مقابل اراضٍ مميزة لم يحصل عليها صاحب المصباح السحري حتى في احلامه، مئة الف دينار للفقراء، اما (رجال الدولة) فعوائلهم تسكن اوربا و ابناؤهم يدرسون في ارقى الجامعات الاوربية. مئة الف دينار للعائلة الفقيرة التي لم تصل باب دارها ان كان لها دار مقابل الرحلات و السفرات و التمتع بالـ...
و مع هذه و تلك رضينا بالمئة الف دينار لنشتري بها (طماطة و خيار) و سلام على علي الكرار القائل (لو كان الفقر رجلا لقتلته) بالله عليكم (ما لكم كيف تحكمون) و سلام على الفاروق الذي كان يحمل كيس الدقيق على ظهره و يجوب الازقة و الدروب.
جاء عيد و جاء اخر و مر و رحل اخر و لم نسمع و لم نرَ العيدية التي اعتبرتها الحكومة ثقيلة على الميزانية العراقية ثقل الجبال!!! لكن المليارات من الدولارات خفيفة عليها لانها لاولي الامر. و صدق الكاتب الانكليزي (جورج اورول) يوم قال في رواية (حقل الحيوان) (أننا الطبقة الحاكمة احق و اولى بالحليب من المحكومين لاننا نفكر و ندير كفة البلد). بينما علينا نحن الفقراء القبول بالقليل القليل و علينا النوم الطويل و علينا ان نردد نعم سيدي فقط.
سلام على المئة الف دينار عراقي التي زارتنا مرة واحدة و رحلت لانها توفت في احد التفجيرات الارهابية، و كم من مُعدم و فقير بحاجة الى رؤيتها ثانية و لكن!! و سلام على امير الشعراء احمد شوقي و هو ينشد:
أحرامٌ على بلابله الدوحُ حلالٌ للطيــر من كـل جنـــسِ
وطني لو شُغلتُ بالخُلد عنه نازعتني اليه في الخلدِ نفسي
شهدَ الله لم يغب عن جفوني شخصهُ ساعةً و لم يخلُ حسي
و سلام على الشاعر الحسيني الثوري الشجاع و القائل:
من نحجي يسكتونا و من نسكت يحجونا
و صرنا كنطرة عبروا عليها!
مقالات اخرى للكاتب