Editor in Chief: Ismael  Alwaely

Editorial secretary: Samer  Al-Saedi

Journalist: Makram   Salih

Journalist: Saif  Alwaely

Journalist: Ibnyan   Azeezalqassab

Editor: Aboalhassan   Alwaely

Reporter: Abdulhameed   Alismaeel

مقالات وأبحاث
الاثنين, أيار 1, 2023
الثلاثاء, نيسان 25, 2023
الأربعاء, نيسان 19, 2023
السبت, نيسان 15, 2023
الجمعة, نيسان 1, 2022
الأحد, آذار 13, 2022
الأربعاء, شباط 16, 2022
الثلاثاء, شباط 15, 2022
السبت, حزيران 3, 2017
السبت, أيار 20, 2017
السبت, أيار 13, 2017
الجمعة, أيار 12, 2017
الاثنين, أيار 1, 2017
1
2
3
4
5
6
   
الاتحاد العربي الهاشمي في الوثائق البريطانية
الثلاثاء, أيلول 10, 2013
وليد خالد احمد

 

تعترض كتابة تاريخنا العربي المعاصر مشكلات جوهرية اساسية مع التوثيق، اذ اننا عشنا زمناً طويلاً على واجهة الحوادث الصعبة من دون التوغل في المضامين والتفاصيل او قراءة بواطنها وما وراء النصوص والتعابير او حتى ما وراء الاستار، فتلك البواطن لا يمكن استكشافها الا من خلال الوثائق الرسمية. فالوثيقة، هي كل شيء مكتوب او مطبوع وعليه ختم رسمي وصادر عن جهة رسمية أكانت دبلوماسية حكومية او شبه حكومية لأي دولة من الدول. 
وتعد الوثائق الدبلوماسية من اخطر تلك الوثائق في التاريخ السياسي لجهة فهم العلاقات بين الدول، كونها تتضمن معلومات سرية او علنية بالغة الدقة ومنقولة بأمانة من طرف الى آخر، وخصوصاً ما يخص العلاقات بين الدول والشؤون السياسية الخارجية والداخلية لأي منها. اضافة الى كل ما تحتويه من معلومات سرية دقيقة تعبر عنها مواقف وقرارات وانفعالات واراء واسرار لم يعرفها احد من الناس حتى يومنا هذا، اذ انها لم تعرض تفاصيلها لا في بيانات ولا في خطابات ولا في صحف او مجلات. 
ولما كانت للبريطانيين ادوارهم الاساسية المؤثرة والقوية في منطقتنا العربية على امتداد القرن العشرين، فان وثائقهم اليوم تحتوي قدراً كبيراً جداً من المعلومات الاساسية التي يحتاج المؤرخون العرب اليها بل يحتاج اليها ايضا المختصون والباحثون والمثقفون العرب اينما يكونوا اليوم ومستقبلاً. وربما يشكك في قيمة تلك الوثائق بل ربما يستخف بها كونها تمثل اصحابها واراؤهم ومواقفهم من شؤوننا العربية الخارجية والداخلية. لكن الامر ليس كذلك اطلاقاً، ذلك ان مجموعة هائلة من تلك الوثائق هي رسائل خاصة وشيفرات دبلوماسية واستخبارية تنقل من خلالها معلومات دقيقة في أي شأن من شؤوننا، وان من قام بكتابتها له حرفيته وامانته في نقل ما يحدث بكل دقة وصدقية لا في تسجيله لها بل في نقل المعلومات التي يشهدها او يسمعها، مرسلاً اياها الى رؤسائه والمسؤولين في الدوائر الخارجية والخاصة في دولته.
ان الوثائق الرسمية تعبر تعبيراً صريحاً الى حد كبير عن مواقف حكومات وزعماء ورأي عام واحزاب وتيارات وتشريعات... من هنا نعلم ان توظيف الوثائق السياسية تؤمن للمؤرخ تاريخا فيه نسبة عالية من الصراحة والكشوفات وما يكمن وراء الأكمة من اسرار بعيداً من المفاهيم الرائجة والسائدة والمتداولة منذ اكثر من نصف قرن وبعيداً من تلك الكتابات السياسية والصحافية والشخصية والاستعراضية والنقلية، ومن استعراض العضلات الذاتية التي تزدحم بها كتب المذكرات والذكريات والسير الشخصية والبيوغرافية التمجيدية، ومن الكتابات التاريخية العادية التي راجت ولم تزل في حياتنا الثقافية والفكرية العربية باقلام صحافيين وادباء ومثقفين وكتّاب سياسيين غير متخصصين ولا علاقة لهم بكتابة التاريخ ولا بالمنهج النقدي مطلقاً، بل ان بعضهم روج لاعتماده في كتاباته على وثائق وما هي كذلك، وبعيداً ايضاً من الشعارات السياسية او البيانات الحزبية والعسكرية او المواقف العاطفية التي راجت في اوساط الناس واعتبرت مضامينها حقائق وما هي كذلك... اذ تتضح للمؤرخ الجاد درجة اكاذيبها وزيفها بعد اخضاعها للنقد والمعالجة ومقارنتها بالمصادر... الى ذلك كله، هناك بعض الاخطاء المعتمدة التي يمارسها بعض المؤرخين الغربيين في كتاباتهم لتاريخ الشرق الاوسط وخصوصاً تاريخ العراق المعاصر منطلقين من زوايا نظر مختلفة واتجاهات معينة، ذلك ان هذا التاريخ مثقل بالحوادث والوقائع والشخوص والحركات والتناقضات التي قد لا يفهمها بعض المؤرخين الغربيين فتكون احكامهم خاطئة في كثير من الاحيان.
من هنا نجد ان ما تكشفه الدوائر الرسمية في أي دولة من وثائق وبعد مرور جيل كامل او اكثر يصوب الى حد كبير المفاهيم الخاطئة ويقدم مادة تدحض ما ساد من مواقف واراء استندت الى اكاذيب وشعارات واهية، ويكمل ما نقص من معلومات مبتورة او غير معروفة حتى اليوم فضلاً عن تقويم ما كان قد سجل هنا او هناك من افكار متداولة او ما كان قد اشيع لا بين الناس فحسب بل حتى بين المؤرخين انفسهم.
فالمؤرخون والوثائقيون يختلفون في طريقة عرض المجاميع الوثائقية، اذ هنالك من يكتفي باختيار بعض المجاميع المنتقاة بدقة عن موضوع معين في محاولة لتمكين متتبعي هذا الموضوع او ذاك من الاطلاع على التفاصيل الكافية، ولا يهم الزمن الذي يستغرقه تحرير الوثائق، أطال ام قصر.
اخطر ما في هذا النوع من العروض الوثائقية، هو عملية الانتقاء التي يلجأ اليها الوثائقي. وفي الواقع يكمن مبعث الخطورة في اهمال انتقاء زمن الواقعة المحددة وما يحيط بها من وقائع اخرى، أقريبة هي من الواقعة مدار البحث ام بعيدة منها، وبالتالي يعرضها الوثائقي لتصبح حالة جامدة بلا حيوية. 
تعرض مجاميع اخرى مجردة من دون اخضاعها للربط والتحليل والتفسير الذي يمكن ان يسهل للقارئ فهم النصوص فهماً اوسع واشمل.. بل نجد احياناً ان الوثائق معروضة من دون تقديم المحررين تقويماً لهذه الوثائق وتحديداً لمدى الخطأ والصواب في الآراء والمسائل التي تتناولها الوثيقة الواحدة. ونجد ايضا غياب تحليل المحررين لاسباب التغيير في الآراء كلاً او جزءاً، ومن وثيقة الى اخرى، وفي القضية المعروضة ذاتها في هذا الكتاب، فوجد المؤلف، ان المفيد عرض مجموعة وثائقية تخص مرحلة تاريخية محددة الزمن وهي الفترة الممتدة من كانون الثاني- تموز من عام 1958، والمجموعة هذه متكاملة الى حد كبير من زاوية عرض الموضوعات التي تضمنتها...
ضم الكتاب الذي بصدد مراجعته، الترجمة الكاملة لنصوص (215) وثيقة بريطانية، قام بترجمتها المؤرخ العراقي مؤيد الونداوي، وقدم لها بدراسة تحليلية مسهبة المؤرخ والكاتب الغني عن التعريف سيار الجميل.
والمجموعة الوثائقية هذه، تعد مصدراً اساسياً لتاريخ العراق المعاصر شملت مرحلة مهمة من تاريخه وتاريخ محيطه الاقليمي، حيث شكلت مجمل الحوادث الصغرى والكبرى للفترة المبحوثة منعطفاً مهماً في تحولاته التاريخية عند منتصف مئة عام، اذ تحول النظام الملكي الى النظام الجمهوري. واذا كان التغيير التاريخي ذاك قد نقل العراق من احوال الى احوال اخرى، فان هذه الوثائق تلقي مزيداً من الاضواء عن حوادث مهمة جداً لا بالنسبة الى العراق بل الى المنطقة العربية كلها اولاً ومحيطه الاقليمي ثانياً.
تكمن اهمية هذه المجموعة في كونها تتناول بشكل مهم واساس المسائل والموضوعات الآتية: الشؤون الداخلية العراقية، نشاط حلف بغداد، اقامة الاتحاد العربي بين مملكة العراق والمملكة الاردنية، الموقف البريطاني- الامريكي من اقامة الجمهورية العربية المتحدة، المطالب العراقية باستعادة الكويت او انضمامها الى الاتحاد العربي، الموقف البريطاني- الامريكي المساند للاتحاد العربي والمعارض لانضمام الكويت اليه، موقف اسرائيل من اقامة الاتحاد العربي والجمهورية العربية المتحدة، التنافس البريطاني- الامريكي على المصالح في العراق، الاتفاق البريطاني- الامريكي على محاربة الرئيس جمال عبد الناصر والسعي الى اسقاطه، اقامة حكومة الاتحاد العربي برئاسة السياسي العراقي المخضرم نوري باشا السعيد... 
تتكون المجموعة الوثائقية المعروضة التي ترجمها الونداوي بلا تصرف من محاضر اجتماعات مجلس الوزراء البريطاني ومناقشاته للفقرات المتصلة بموضوع هذا الكتاب، وكذلك مجموعة البرقيات التي تبادلها السفراء البريطانيون العاملون في بغداد وعمان وبيروت وطهران وكراتشي وانقرة وباريس وواشنطن وغيرها من العواصم، فضلاً عن مراسلات المقيم السياسي البريطاني في البحرين والوكيل السياسي في الكويت.
وتشكل هذه البرقيات المتبادلة ايضاً مع وزير الخارجية البريطانية، أكانت تلك التي ارسلت مباشرة الى وزير الخارجية سلوين لويد ام التي ارسلت الى الاقسام المعنية في الوزارة، مجموعة شبه متكاملة مع برقيات وزارة الخارجية البريطانية ذاتها.
تشمل المجموعة الوثائقية ايضا جانباً مهماً من وثائق حلف بغداد وبخاصة تلك المتعلقة باجتماع المجلس الوزاري لقادة الحلف في اسطنبول في كانون الثاني/ 1958، وهو الاجتماع الذي شارك فيه رؤساء وزراء تركيا وايران والعراق والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وباكستان، وكشفت وثائقه جوانب مهمة لما كان يجري خلف الابواب المغلقة من طروحات وما كان يُعد من خطط.
يعرض الكتاب ايضاً، الوثائق المتصلة باقامة الاتحاد الهاشمي التي تتميز بكونها تعرض حقائق جديدة كثيرة عن المقدمات والمسار الذي يشجع ملك الاردن حسين على التقدم من العراق والسعودية بمقترح اقامة هذا الاتحاد، ثم بيان اسباب استجابة القادة في العراق له واندفاعهم السريع لاقامة الاتحاد بين العرشين الهاشميين.
وتقدم البرقيات والرسائل المتبادلة بين وزير خارجية بريطانيا وسفيره في بغداد السيد مايكل رايت وسفيره في عمان تشارلز جنستون تفاصيل واسعة لم يتناولها جميع من كتب عن هذا الاتحاد في حينه او بعد انحلاله عقب الثورة في العراق التي جاءت بعد اسابيع قليلة من اقامته.
ان الاتحاد العربي الهاشمي الذي اعلن في 1/ شباط/ 1958، بين الدولتين العربيتين المرتبطتين بعائلة مالكة واحدة، العائلة الهاشمية، وهما العراق والاردن، اذ كان يحكمها فيصل الثاني والحسين بن طلال، اللذان ورثا الحكم من جدهما الاكبر الشريف الحسين بن علي، وكان اتحاداً غير اندماجي، وجاء اعلانه رسمياً في 14/ شباط/ 1958، رداً مباشر على خطوة الوحدة السورية- المصرية على يد جمال عبد الناصر.
واصبحت قضايا العلاقات الخارجية والدفاع والسياسة الجمركية والتعليم من صلاحيات الحكومة الاتحادية المشتركة بين العراق والاردن.
وفي آذار/ 1958، أقر دستور الاتحاد وانشيء برلمان اتحادي ثم اندمج الجيشان العراقي والاردني.وفي أيار/ 1958، اعلن تأليف حكومة اتحادية، وان ملك هو رئيس الاتحاد وان مقر حكومة الاتحاد يكون بصفة دورية ستة اشهر في بغداد وستة اشهر في عمان.وفي 19/ ايار/ 1958، شكلت اول حكومة للاتحاد كان نوري السعيد رئيساً لوزرائها.انتهى الاتحاد الهاشمي بزوال الحكم الهاشمي في العراق يوم 14/ تموز/ 1958.
ان فكرة اقامة معسكر الملوك – العراق والاردن والسعودية- لغرض مواجهة المعسكر المصري- السوري، برزت اول مرة وبشكل واضح بعد انتهاء الحملة العسكرية البريطانية- الفرنسية- الاسرائيلية الفاشلة على مصر عام 1956، وتحديداً في مؤتمر برمودا، حيث اتفق رئيس الوزراء البريطاني هارولد ماكميلان مع الرئيس الامريكي داويت ايزنهاور على سياسة مشتركة في شأن مسائل الشرق الاوسط وهما اللذان شجعا على التقارب العراقي- السعودي بعد زمن طويل من انعدام الثقة.
هكذا قدم الملك حسين قبل نهاية عام 1957، مقترحه المتضمن امكان ان يقود الملك سعود دولة تضم الممالك الثلاث... لهذا ما ان طرح موضوع الاتحاد وامكان انضمام سعود اليه حتى بدأت سلسلة من المراسلات لتتكون في النهاية مجموعة اخرى مهمة من الوثائق حول موقف السعودية من الاتحادات العربية. 
وعلى الفور ابرز عدم انضمام السعودية الى الاتحاد العربي الى الواجهة موضوعاً آخر هو موضوع الكويت. ومن المهم هنا، الاشارة الى ان العراق الرسمي والشعب لم يتوقف قط عن الحديث مع الجانب البريطاني في شأن انهاء الحماية البريطانية على الكويت، في مقابل ذلك استمرت بريطانيا وبمنهج ذي هدف ثابت في ابقاء الكويت بعيدة من العراق وتعزيز مكانة اسرة صباح الحاكمة، وازدادت بريطانيا تمسكاً بالكويت تدريجياً جراء اهمية الاخيرة النفطية والحجم الكبير المتنامي للودائع الكويتية في المصارف البريطانية اضافة الى ان نفط الكويت كان مصدراً اساسياً لتأمين حاجات اسرائيل النفطية.
وبعد عام 1955، مارست الحكومة العراقية وبخاصة ولي العهد ونوري السعيد ضغطاً شديداً على بريطانيا للتوصل الى حل يرضي العراق في ما يتعلق بالكويت، وبلغ ذلك الضغط ذروته بعد اقامة الاتحاد العربي فتكونت مجموعة وثائقية مهمة لم تتناولها المصادر التاريخية بشكل واسع.
ان اهم ما تظهره هذه الوثائق هو المعارضة البريطانية- الامريكية المشتركة لموضوع انضمام الكويت الى الاتحاد العربي بشكل او بآخر. كما تظهر ان كلا البلدين اتخذ الترتيبات لتقديم المساعدات المالية الى الاتحاد بهدف اسقاط حجة العراق، بأن من شأن انضمام  الكويت الى الاتحاد ان يخفف عن العراق الاعباء المالية التي كان عليه ان يتحملها نيابة عن الاردن.
وعلى أي حال، فان المحادثات العراقية- الايرانية في شأن الكويت لم تتوقف حتى وقوع الثورة في العراق في 14/ تموز/ 1958، ومرت هذه القضية بعد ذلك بمرحلة جديدة وهي لا تزال قائمة حتى يومنا هذا....
اما ما يخص موقف اسرائيل التي تعاظمت مخاوفها وقلقها بسبب قيام الجمهورية العربية المتحدة، هالها اقامة الاتحاد العربي الذي يعني بالنسبة اليها امكان وصول الجيش العراقي الى حدودها. 
تناولت هذا الموضوع مجموعة وثائقية اخرى اكدت جميعها ان طرفي الاتحاد فضلاً عن بريطانيا والولايات المتحدة، ترى ان لا حاجة الى التخوف من اقامة الاتحاد، ما دام هدفه منافسة الجمهورية العربية المتحدة والسعي الى افشال التجربة المصرية- السورية في الوحدة وحرمانها التوسع لضم دول عربية اخرى.
ان هذه المجموعة الوثائقية ستعد من المجاميع التاريخية المهمة المتصلة بقضايا الوحدة العربية، اذ دونت بشكل بالغ الدقة يوميات الاتحاد العربي خلال الفترة التي استغرقتها المفاوضات ومهدت لقيام الاتحاد ثم الاجراءات الدستورية كافة، الى حين اقامة اول حكومة وبرلمان اتحاديين. 
اما الموضوع المدهش حقاً، فهو ان قادة البلدين وبوجه خاص الملك حسين ووزير خارجيته سمير الرفاعي وولي العهد في العراق الامير عبد الاله بن علي ونوري السعيد، كانوا جميعاً حريصين على ابلاغ السفراء البريطانيين اولاً بأول في كل يوم تقريباً تفاصيل ما كانوا يفكرون فيه ويعملون لاجله، وما كان يجري من محادثات بما في ذلك النيات والخطط، فضلاً عن النصائح والتوجيهات التي يمكن ان تقدمها بريطانيا لهم.
ولعل اهم ما تضمنته المجموعة الوثائقية المعروضة في هذا الكتاب، احساس القادة العراقيين العميق، بأن نهاية النظام الملكي قربت، وانه لن تستمر طويلاً بل توقعوا سقوطه خلال اشهر.
أكد هذا النوع من الاحساس بوجه خاص ولي العهد ونوري السعيد من خلال احاديثهما المتكررة مع السيد مايكل رايت في بغداد. وكان السفير البريطاني هو الآخر يدرك تماماً حقيقة الموقف الصعب الذي كان يعيشه المسؤولون العراقيون. وكل شيء كان متوقفاً على الدعم الذي يمكن ان تقدمه بلاده والحكومة الامريكية في مساعدة العراق للوقوف امام التأييد الشعبي العارم الذي كان يحظى به الرئيس عبد الناصر داخل العراق وفي كل مكان في الوطن العربي.
كان لا بد من عزل سورية عن مصر، وان ينجح شمعون في لبنان، وان يتم الاقتناع البريطاني- الامريكي بضم الكويت الى الاتحاد، فضلاً عن اقطار عربية اخرى.
المدهش، ان صناع السياسة في الخارجية الامريكية في الوقت الذي كانوا فيه يعلنون عن العزم على دعم حلفائهم العرب، كانوا مطلعين تماماً على ان بعض هؤلاء الحلفاء ومن بينهم النظام في العراق، معرض للسقوط في أي لحظة نتيجة حصول انقلابات عسكرية. لهذا اكتفت الخارجية الامريكية بنصح الخارجية البريطانية، بأن عليها ان تتوقع مثل هذا الانقلاب في العراق.
ان مضمون هذا الكتاب في كشف بعض المعلومات المهمة وفي اماطة اللثام عن جزء مهم من تاريخ مثقل بالوقائع والحراك السياسي والاقليمي والعربي، وهي حقائق لا يمكن نكرانها بحكم ضمان وثيقتها، وكونها مكاتبات رسمية دبلوماسية لاهم دولة استعمارية كانت لها ارتباطاتها التاريخية بالعراق الملكي، وهي بريطانيا، فليس من المعقول اذ ذاك ان ننكر على تلك المضامين اهمية محتوياتها خصوصاً ان المعلومات مستقاة من وثائق متبادلة بين السفارة البريطانية في بغداد ووزارة الخارجية البريطانية في لندن، وكانت تصلها الوقائع والتقويمات ساعة بساعة.
ثمة مشكلة اساسية تتضمنها تلك الوثائق، وهي ان ما يرد فيها ربما لا يمثل الحقيقة التي ينتظرها البعض كون ما ارسل هو مجرد دعايات مضادة وشائعات مغرضة واكاذيب لا صحة لها أكانت عضوية ام مقصودة لكنها ترسل جميعاً بما فيها من مضامين صائبة او من اخطاء، ربما تصحح لاحقاً او لا تصحح ابداً، وبالتالي لا يمكن اعتبار تلك المضامين حقيقية ولا بد من ان يخضعها أي مؤرخ حصيف محترف او أي قارئ ذكي للنقد الباطني السلبي والايجابي.
المجموعة الوثائقية التي ضمها الكتاب، تتضمن دراسات وتقارير عدة مختلفة الموضوعات وهي لا تخلو قطعاً من اهمية لاطلاع الباحثين والمؤرخين والمتتبعين في اقطار عربية عدة لا يزالون حتى يومنا بحاجة الى تكوين رؤية اوضح لما حصل وكيف حصل ومن ساهم وكيف ساهم في ما حصل خلال الاشهر الستة التي سبقت سقوط النظام الملكي في العراق.
ان ما تضمنته الوثائق البريطانية عن العراق والدول الاقليمية والعربية صاحبة العلاقة به، لا يمكن ان تكمل صورة التاريخ الوثائقي الجديد للمنطقة كلها من دون الكشف عن الوثائق البريطانية المتعلقة لكل من مصر والسعودية والاردن والكويت بشكل خاص، ثم الوثائق البريطانية التي تشمل الفترة الزمنية نفسها والخاصة بكل من تركيا وايران علاوة على الوثائق الامريكية المعنية بشؤون الشرق الاوسط كله.
على الرغم من ان المؤلف لم يتدارس الوثائق ولم يقدم نقداً واسعاً لمضامينها فانه نجح لا في اكتشافها بل في تنظيمها في شكل جداول تمتد على مدى متسع مع التعريف بما تتضمنه كل وثيقة. كذلك، على الرغم انه لم يتوسع في عرض الهوامش كيلا يربك القارئ، وكي يبقي الكتاب بصيغته الوثائقية، الا ان الونداوي وجد من المناسب ان يدرج في نهاية كتابه عدداً من الملاحق المهمة التي تقدم صوراً مساعدة تظهر الاوضاع في العراق وتاريخ المطالبة العراقية بالكويت، وهي ايضا عبارة عن مجاميع وثائقية بريطانية.
ان المواد التاريخية التي تتضمنها وثائق ستة اشهر اولى من عام 1958، في هذا الكتاب، اوضحت بما لا يقبل مجالاً للشك، جملة من الحقائق والمعلومات المؤكدة في شأن الاوضاع التي عاشها العراق والمنطقة العربية، وان هذه الحقائق والمعلومات لن تغير بعض القناعات فحسب بل ستعمل ايضاً على اغناء التفكير الجمعي بمزيد من المعلومات التاريخية من خلال المقارنة بين الفروق، كما ستعمل على تغيير الاحكام المسبقة التي اعتبرت اسساً في بناء المنطلقات خصوصاً اذا اعتبرت الوثائق مصدراً اساسياً وتاريخياً في قراءة تكوين العرب المعاصر او كتابته التاريخية، وستوضح للاجيال التالية حقائق مخيفة او اسراراً منشورة.
ان الكشف الواضح عن مواقف ووثائق واسرار يتضمنها هذا الكتاب، يظهر بيانات ورسائل متبادلة خلال فترة ستة اشهر فقط من عام 1958، وهي تجيب عن اسئلة لا حصر لها طرحها الناس سراً او علانية، على امتداد ما يزيد على خمسين عاماً بل انها قد تبدل قناعات جيل جديد بما يخالف قناعات الاجيال السابقة.

• الكتاب 
الاتحاد العربي في الوثائق البريطانية، المجموعة الوثائقية البريطانية الرسمية الكاملة للاتحاد الهاشمي بين العراق والاردن لعام 1958، جمع وترجمة ــــ مؤيد الونداوي، تقديم سيار الجميل، ط1، المركز العربي للابحاث ودراسة السياسات، الدوحة/ بيروت، 2013، 718 صفحة.


waleedkaisi@yahoo.com

 

 

مقالات اخرى للكاتب

 
أضف تعليق
نطلب من زوارنا اظهار الاحترام, والتقيد بالأدب العام والحس السليم في كتابة التعليقات, بعيداً عن التشدد والطائفية, علماً ان تعليقات الزوار ستخضع للتدقيق قبل نشرها, كما نحيطكم علماً بأننا نمتلك كامل الصلاحية لحذف اي تعليق غير لائق.
الاسم :

عنوان التعليق :

البريد الالكتروني :

نص التعليق :

1500 حرف المتبقية
أدخل الرقم من الصورة . اذا لم تستطع القراءة , تستطيع أن تحدث الصورة.
Page Generation: 0.47098
Total : 101