احلت الى التقاعد في العام1993 وكان الحصار يلتهم الانسان العراقي التهاما فقال لي الفريق اول الركن سلطان هاشم وزير الدفاع ناصحا ((انسى انك كنت ضابطا فوضعك المادي سيء والعمل شرف))..اشتغلت في مجرشة شلب يملكها اصدقاء لي وكان من ضمن مسؤولياتي ان انقل الرز المشلوب لتسليمه الى سايلوات الدولة وكان النظام فيها صارما حيث هناك لجنة امنية في باب الدخول تتحقق من الحمولة وكل شيء بعدها لجنة لوزن الحمولة تعقبها لجنة لفحص نوعية الشلب ولا يحق لك المغادرة الا بورقة من مدير السايلو ليسألك هل استغلك احد؟؟ وهكذا من الاجراءات
في احد الليالي زارني شخص في بيتي ورفض الدخول واخبرني بأنه مسؤول الوزن في السايلو وطرح فكرة(فيد واستفيد) التي شاعت بعد ان اكل الحصار جزءا مما رزقنا الله به من اخلاق وقيم وطلب مني هويات احوال مدنية واجازات سوق لعدد من سواقي شاحنات النقل وبعض الوثائق ويعيدها بعد اسبوع ومعها صكوك صرف بمبلغ ما حصتي الصافية منه 4 مليون دينار يوم كان راتبي التقاعدي 50 ألف دينار تعادل 20 دولارا فقط
استغربت طبعا من الخطة والتي هي ادخال شاحنات وهمية محملة بالرز ووزنها وفحصها وصرف الصكوك فأجاب الشخص ليبدد استغرابي قائلا بأن كل اللجان مشتركة بالعمل(الجريمة) فأجبته ببساطة انني ضابط كبير متقاعد ولو كنت اقبل سرقة اموال شعبي لما كنت اليوم مشتغلا بمجرشة شلب .فانصرف خائبا
لنتوسع بالموضوع على مستوى الدولة (السلطة) العراقية لنرى ان حجم الفساد وسهولة القيام به فضلا عن سهولة الافلات من العقاب بل ان عدم وجود العقاب يعني غياب المتابعة مما يقودنا للاعتقاد ان هناك شبكة غريبة عجيبة من مافيات الفساد لا يمكن للسياسي الا ان يكون ضمن دائرتها كالسايلو (الكل مشارك) ويبدو ان هذا هو اساس ما يسمونه تدليلا (الشراكة الوطنية) انها شراكة السايلو يمكننا القول ان الفساد هو العمود الفقري للعملية السياسية وأن اية فقرة تنكسر فيه فسيسقط الفساد كله وبالتالي ستنهار العملية السياسية برمتها ، مما يعني ان الاصلاحات الخجولة والسلحفاتية الجارية سوف يتم ابتلاعها ، حيث يذكرني تبليغ السيد العبادي للقضاء لاصلاح نفسه بذلك السايلو عندما نبلغ لجانه الفاسدة باصلاح نفسها..اليست نكتة بربكم؟؟ فما الذي يغريهم باصلاح انفسهم ؟؟المباديء والقيم؟؟ولو كانت لديهم ذرة من المباديء لما ضل مجرموا تسليم نصف العراق احرارا طليقين يظهرون على الفضائيات وكأن شيئا مما حصل لم يحصل ، او انه حصل في كوكب آخر ...ام الخوف من مطحنة الاصلاح وهم يلاجظون انها لم تطحن احدا لحد الان سوى تخليص نواب الرئاسات من المهانة والبطالة المقنعة والضحك على الناس وعلى انفسهم اولا