لو قلّبنا أوراق التاريخ ورجعنا الى الوراء قروناً من الزمن لنقف عند بدايات ظهور الإسلام وقيام الدولة الاسلامية التي كانت تتسم بالعدل في معظم جوانبها، لبرز الينا القضاء كمؤسسة تنفيذية مهمة وحساسة، لإنها تتعامل مع حالات الظلم والشعور بالغبن لدى أوساط المجتمع التي كانت تسمى (بالرعية) في تلك الحقبة الزمنية، لذلك تم الإهتمام به.
فقد كان الرسول (ص) وكذلك الخلفاء الراشدين يختارون أفضل الشخصيات الإسلامية لتسلم مهمة القضاء بين الناس ويمنحونهم كامل الصلاحيات ولايتدخلون في شؤون عملهم ابدا، فقط كانوا يحاسبوهم عندما يشاهدون علامات تدل بشكل أو باخر على إنهم ربما اساءوا إستخدام السلطة أو تعاطوا رشا أو هدايا أو غضوا النظر عن حالات لابد من الحكم بها بالحق.
ومن هنا كان القضاء يتسم بثلاث صفات أولهما كانت كوادره مؤمنة وتتمتع بالحكمة وبعد النظر وثانيهما كان مستقلا، وثالثهما مراقباً من قبل أعلى سلطة تنفيذية في الدولة وهو الخليفة ،وبذلك كان قضاء عادلاوكانت كوادره تخشى السلطة التنفيذية العليا.
وهناك حالات عديدة حفلت بها كتب التاريخ وهي تتحدث عن العدل الذي كان أساس عمل القضاء ، حكاية الخليفة الراشدي الرابع الإمام علي بن ابي طالب (ع) الذي إشتكى أحد اليهود لدى القاضي شريح حين وجد عنده الترس الخاص بالامام والذي حكم فيه القاضي لصالح اليهودي لعدم وجود شهود إثبات على عائدية الترس للامام مما حدا باليهودي أن يعلن إسلامه حين رأى الخليفة لم يستخدم أساليب بوليسية ضده ورأى القاضي وقد جكم لصالحه على الرغم من ان الترس فعلا للخليفة وذلك كما اشرنا لعدم وجود أدلة كافية، هذه الصورة وماشاكلها هي التي كانت سائدة وقد تحدثت كتب التاريخ عن متابعة الخلفاء للقضاة ومحاسبتهم بشدة حين شاهدوا خللا قد أصاب تلك المؤسسة المهمة كما حدث مع الخليفتين عمر بن الخطاب والامام علي بن ابي طالب في فترة خلافتيهما حيث كانا من المتابعين للقضاء وبقوة.
ومن هنا تظهر لنا أهمية القضاء وأهمية ان يكون عادلا ونزيها وامينا، ليعم العدل في المجتمع ويشعر الناس بالراحة والاطمئنان، واليوم عندما وجد الناس في بلد الناس هذا العراق المظلوم الجريح ان العدل قد غاب تماما والفساد أصبح فضلا عن كونه ظاهرة اجتماعية خطيرة أصبح ثقافة لابد لكل مسؤول ان يتمتع بها (مع الاحترام للمسؤولين الأمناء) فالحصول على المكاسب الشخصية نتيجة غياب المتابعة والرقابة من جهة فضلا عن تجاوز المسؤولين الكبار للظوابط الأخلاقية والانسانية من خلال تشريع قوانين تخدمهم هم فقط من جهة ثانية، ظهر الى الوجود وبقوة القول الذي يؤكد على ماجئنا به وفحواه (الناس على دين ملوكها) ليفرض نفسه على مؤسسات الدولة حتى نخرها وجعلها دون المستوى المطلوب بكثير هذا الامر وهذه الممارسات الميدانية غير النبيلة كانت عوامل رئيسة لتراجع البلد وقلة خيراته وعدم نضوج مخرجاته بشكل عام، فضلا عن كونه أصبح لاقيمة له كونه فقد الكثير من مقومات الدولة الحديثة، وعليه فان الأساس هو القضاء، فلو كان القضاء عكس ماهو عليه الان قضاء عادلا ونزيها وأمينا لكانت النتائج أيضا على عكس مانراه اليوم ولأصبح البلد متطورا متقـــــدما متماسكا تعمل أجهزته بالشكل المطلوب ولكانت المخرجات ناضجة ومثمرة . هذا الأمر بمجمله هو مادفع ابناء الشعب الغيارى من التظاهر ضد القضاء الذي يعاني من الفشل والمرض والجهل، حتى جعل أصحاب الشان يطلقون عليه جملة (الغدة السرطانية) وبالفـــــعل فان هذه الغدة أخذت تنتشر، وقبل أن تصيب جسد العراق بكامله لابد من قلعها لتكون النتائج أفضل للعراق ولشعبه ولتاريخه وجغرافيته معا.
مقالات اخرى للكاتب